الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } * { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } * { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } * { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } * { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } * { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } * { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } * { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله - سبحانه - { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ... } معطوف على كلام مقدر يفهم من سياق القصة. والتقدير وبعد أن انتصر موسى على السحرة نصرا جعلهم يخرون ساجدين لله - تعالى - وبعد أن مكث موسى فى مصر حينا من الدهر، يدعو فرعون وقومه إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - فلم يستجيبوا له... بعد كل ذلك { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ } أى سر ببنى إسرائيل ليلا إلى جهة البحر وعبر - سبحانه - عنهم بعبادى. تلطفا بهم بعد أن ظلوا تحت ظلم فرعون مدة طويلة. وقوله - { إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ } تعليل للأمر بالإِسراء. أى سر بهم ليلا إلى جهة البحر، لأن فرعون سيتبعكم بجنوده، وسأقضى قضائى فيه وفى جنده. والفاء فى قوله - تعالى - { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } هى الفصيحة، والحاشرين جمع حاشر والمراد بهم الذين يحشرون الناس ويجمعونهم فى مكان معين، لأمر من الأمور الهامة. قالوا جمعوا له جيشا كبيرا يتكون من مئات الآلاف من الجنود. أى وعلم فرعون بخروج موسى ومعه بنو إسرائيل. فأرسل جنوده ليجمعوا له الناس من المدائن المتعددة فى مملكته. وبعد أن اكتمل عددهم، أخذ فى التهوين من شأن موسى ومن معه فقال { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ }. والشرذمة الطائفة القليلة من الناس - وخصها بعضهم بالأخساء والسفلة منهم. ومنه قولهم هذا ثوب شرذام، وثياب شراذم، أى رديئة متقطعة. أى إن هؤلاء الذين خرجوا بدون إذنى وإذنكم، لطائفة قليلة من الناس الذين هم بمنزلة العبيد والخدم لى ولكم. { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } أى وإنهم بجانب قلتهم، وخروجهم بدون إذننا، يأتون بأقوال وأفعال تغيظنا وتغضبنا، على رأسها اقتراحهم علينا أن نترك ديننا. { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } أى متيقظون لمكائدهم، ومحتاطون لمكرهم، وممسكون بزمام الأمور حتى لا يؤثر فينا خداعهم. يقال حذر فلان حذرا - من باب تعب - بمعنى استعد للأمر وتأهب له بيقظة.. وكلام فرعون هذا - الذى حكاه القرآن عنه - يوحى بهلعه وخوفه مما فعله موسى - عليه السلام - إلا أنه أراد أن يستر هذا الهلع والجزع بالتهوين من شأنه ومن شأن الذين خرجوا معه وبتحريض قومه على اللحاق بهم وتأديبهم، وبالظهور بمظهر المستعد هو وقومه لمجابهة الأخطار والتمرد بكل قوة وحزم. قال صاحب الكشاف والمعنى أنهم - أى موسى ومن معه - لقلتهم لا يبالى بهم، ولا يتوقع غلبتهم وعلوهم، ولكنهم يفعلون أفعالا تغيظنا، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم فى الأمور، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم فساده، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه، وقرىء حذرون.

السابقالتالي
2 3