الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } * { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } * { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } * { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } * { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } * { قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } * { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ }

أى قال فرعون لموسى بعد أن عرفه، وبعد أن طلب منه موسى أن يرسل معه بنو إسرائيل. قال له يا موسى { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } أى ألم يسبق لك أنك عشت فى منزلنا، ورعيناك وأنت طفل صغير عندما قالت امرأتىلاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً.. } { وَلَبِثْتَ فِينَا } أى فى كنفنا وتحت سقف بيتنا { مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } عددا. { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } وهى قتلك لرجل من شيعتى { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }. أى وأنت من الجاحدين بعد ذلك لنعمتى التى أنعمتها عليك، فى حال طفولتك، وفى حال صباك، وفى حال شبابك. لأنك جئتنى أنت وأخوك بما يخالف ديننا، وطلبتما منا أن نرسل معكما بنى إسرائيل. فهل هذا جزاء إحسانى إليك؟ وهكذا نرى فرعون يوجه إلى موسى - عليه السلام - تلك الأسئلة على سبيل الإِنكار عليه لما جاء به، متوهما أنه قد قطع عليه طريق الإِجابة. ولكن موسى - عليه السلام - وقد استجاب الله - تعالى - دعاءه، وأزال عقدة لسانه، رد عليه ردا حكيما، فقال - كما حكى القرآن عنه { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ }. أى قال موسى فى جوابه على فرعون أنا لا أنكر أنى قد فعلت هذه الفعلة التى تذكرنى بها، ولكنى فعلتها وأنا فى ذلك الوقت من الضالين، أى فعلت ذلك قبل أن يشرفنى الله بوحيه، ويكلفنى بحمل رسالته، وفضلا عن ذلك فأنا كنت أجهل أن هذه الوكزة تؤدى إلى قتل ذلك الرجل من شيعتك، لأنى ما قصدت قتله، وإنما قصدت تأديبه ومنعه من الظلم لغيره. فالمراد بالضلال هنا الجهل بالشىء، والذهاب عن معرفة حقيقيته. وقوله { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } بيان لما ترتب على فعلته التى فعلها. أى وبعد هذه الفعلة التى فعلتها وأنا من الضالين، توقعت الشر منكم، ففرت من وجوهكم حين خشيت منكم على نفسى فكانت النتيجة أن وهبنى { رَبِّي حُكْماً } أى علما نافعا { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } الذين اصطفاهم الله - تعالى - لحمل رسالته والتشرف بنبوته. ثم أضاف موسى - عليه السلام - إلى هذا الرد الملزم فرعون، ردا آخر أشد إلزاما وتوبيخا فقال { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }. واسم الإِشارة { تِلْكَ } يعود إلى التربية المفهومة من قوله - تعالى - قبل ذلك { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً...الخ }. وقوله { تَمُنُّهَا } من المن بمعنى الإِنعام يقال منّ فلان على فلان منة إذا أنعم عليه بنعمة. وعبدت أى اتخذتهم عبيدا لك تسخرهم لخدمتك. قال الجمل و { تِلْكَ } مبتدأ، و { نِعْمَةٌ } خبر. و { تَمُنُّهَا } صفة للخير و { أَنْ عَبَّدتَّ } عطف بيان للمبتدأ موضح له. وهذا الكلام من موسى - عليه السلام - يرى بعضهم أنه قال على وجهة الاعتراف له بالنعمة، فكأنه يقول له تلك التربية التى ربيتها لى نعمة منك على، ولكن ذلك لا يمنع من أن أكون رسولا من الله - تعالى - إليك، لكى تقلع عن كفرك، ولكى ترسل معنا بنى إسرائيل.

السابقالتالي
2 3 4