الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ } * { تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } * { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

الاستفهام فى قوله - تعالى - { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ... } للتقرير، والخطاب للمشركين الذين اتهموا النبى صلى الله عليه وسلم تارة بأنه كاهن، وتارة بأنه ساحر أو شاعر. أى ألا تريدون أن تعرفوا - أيها المشركون - على من تتنزل الشياطين؟! إنهم لا يتنزلون على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن طبعه يتباين مع طبائعهم، ومنهجه يتعارض مع مسالكهم، فهو يدعو إلى الحق وهم يدعون إلى الباطل. إنما تتنزل الشياطين { عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ } أى كثير الإِفك والكذب { أَثِيمٍ } أى كثير الارتكاب للآثام والسيئات، كأولئك الكهنة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل. والضمير فى قوله { يُلْقُونَ ٱلسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } يجوز أن يعود إلى كل أفاك أثيم، وهم الكهان وأشباههم، والجملة صفة لهم، أو مستأنفة. والمراد بإلقائهم السمع شدة الإِنصات، وقوة الإِصغاء للتلقى. والمعنى تتنزل الشياطين على كل أفاك أثيم. وهؤلاء الأفاكون الآثمون، منصتون إنصاتا شديدا إلى الشياطين ليسمعوا منهم، وأكثر هؤلاء الكهنة كاذبون فيما يقولونه للناس، وفيما يخبرون به عن الشياطين. روى البخارى عن عائشة - رضى الله عنها - قالت " سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكهان، فقال إنهم ليسوا بشىء، قالوا يا رسول الله، فإنهم يحدثون بالشىء يكون حقاً؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها - أى فيرددها في أذن وليه كقرقرة الدجاجة - فيخلطون معها أكثر من مائة كذبة ". ويجوز أن يعود الضمير على الشياطين. وتكون الجملة حالية أو مستأنفة، ومعنى إلقائهم السمع إنصاتهم إلى الملأ الأعلى ليسترقوا شيئا من السماء. فيكون المعنى تتنزل الشياطين على كل أفاك أثيم، حالة كون الشياطين ينصتون إلى الملأ الأعلى. ليسترقوا شيئا من السماء، وأكثر هؤلاء الشياطين كاذبون فيما ينقلونه إلى الأفاكين والآثمين من الكهان. ويصح أن يكون السمع بمعنى المسموع. أى يلقى كل من الشياطين والكهنة ما يسمعونه إلى غيرهم. قال الجمل قوله { وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } الأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم، على معنى أن هؤلاء قلما يصدقون فيما يحكون عن الجنى. أو المعنى وأكثر أقوالهم كاذبة لا باعتبار ذواتهم حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقا على الإطلاق... فالكثرة فى المسموع لا فى ذوات القائلين. وقال بعضهم المراد بالأكثر الكل... والمقصود من هذه الآيات الكريمة إبطال ما زعمه المشركون من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تلقى هذا القرآن عن الشياطين أو عن غيرهم، وإثبات أن هذا القرآن ما نزل إلا من عند الله - تعالى - بواسطة الروح الأمين. وقوله - سبحانه - { وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } إبطال لشبهة أخرى من شبهاتهم وهى زعمهم أنه صلى الله عليه وسلم شاعر.

السابقالتالي
2 3