الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } * { عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } * { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } * { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } * { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } * { فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ }

الضمير فى قوله { وَإِنَّهُ } يعود إلى القرآن الكريم، وما اشتمل عليه من قصص وهدايات.. أى وإن هذا القرآن لتنزيل رب العالمين، لا تنزيل غيره، والتعبير عن إنزاله بالتنزيل، للمبالغة فى إنزاله من عند الله - تعالى - وحده. ووصف - سبحانه - ذاته بالربوبية للعالمين، للإِيذان بأن إنزاله بهذه الطريقة، من مظاهر رحمته بعباده، وإحكام تربيته لهم جميعا. قال - تعالى -تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } وقال - سبحانه -تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَق ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَاوَاتِ ٱلْعُلَى } ثم وصف - سبحانه - من نزل به بالأمانة فقال { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } وهو جبريل - عليه السلام - وعبر عنه بالروح، لأن الأرواح تحيا بما نزل به كما تحيا الأجسام بالغذاء. أى نزل جبريل الأمين - بأمرنا - بهذا القرآن كاملا غير منقوص، { عَلَىٰ قَلْبِكَ } أيها الرسول الكريم { لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } أى من أجل أن تنذر به الناس، وتخوفهم بسوء المصير إذا ما استمروا على كفرهم وفسوقهم عن أمر الله - تعالى -. قال الجمل قال الكرخى وقوله { عَلَىٰ قَلْبِكَ } خصه بالذكر وهو إنما أنزل عليه ليؤكد أن ذلك المنزل محفوظ، والرسول متمكن من قلبه لا يجوز عليه التغير. ولأن القلب المخاطب فى الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار، وأما سائر الأعضاء فمسخرة له، ويدل على ذلك القرآن والحديث والمعقول. أما القرآن فقوله - تعالى -إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } وأما الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم " ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ". وأما المعقول فإن القلب إذا غشى عليه، لم يحصل له شعور، وإذا أفاق القلب شعر بجميع ما ينزل بالأعضاء من الآفات. وقال الآلوسى ما ملخصه وخص القلب بالإِنزال، قيل للإِشارة إلى كمال تعقله صلى الله عليه وسلم وفهمه ذلك المنزل، حيث لم تعتبر واسطة فى وصوله إلى القلب.. وقيل للإِشارة إلى صلاح قلبه صلى الله عليه وسلم حيث كان منزلا لكلام الله - تعالى -.. وقوله - تعالى - { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } متعلق بقوله - تعالى - { نَزَلَ }. أى نزل هذا القرآن باللسان العربى ليكون أوضح فى البلاغ والبيان لقومك لأننا لو نزلناه بلسان أعجمى أو بلغة أعجمية لتعللوا بعدم فهمه وقلة إدراكهم لمعناه. وبذلك نرى أن الله - تعالى - قد بين لنا مصدر القرآن، والنازل به، والنازل عليه، وكيفية النزول، وحكمة الإِنزال، واللغة التى نزل بها، وكل ذلك أدلة من القرآن ذاته على أنه من عند الله - تعالى - وأنه من كلامه الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

السابقالتالي
2