الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } * { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } * { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ } * { أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ } * { وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ } * { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قد وردت قصة هود مع قومه فى سور شتى منها سورة الأعراف، وهود، والأحقاف.. وينتهى نسب هود - عليه السلام - إلى نوح - عليهما السلام -. وقومه هم قبيلة عاد - نسبة إلى أبيهم الذى كان يسمى بهذا الاسم - وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن - والأحقاف جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل -. وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله - تعالى - نبيهم هودا لينهاهم عن ذلك، وليأمرهم بعبادة الله وحده. وبشكره - سبحانه - على ما وهبهم من قوة وغنى. وقد افتتح هود نصحه لقومه، بحضهم على تقوى الله وإخلاص العبادة له وبيان أنه أمين فى تبليغ رسالة الله - تعالى - إليهم، فهو لا يكذب عليهم ولا يخدعهم، وببيان أنه لا يسألهم أجرا على نصحه لهم، وإنما يلتمس الأجر من الله - تعالى - وحده. وقد سلك فى ذلك المسلك الذى اتبعه جده - عليه السلام - مع قومه، وسار عليه الأنبياء من بعده. ثم استنكر هود - عليه السلام - ما كان عليه قومه من ترف وطغيان فقال لهم { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ }. والريع بكسر الراء - جمع ريعة. وهو المكان المرتفع من الأرض أو الجبل المرتفع... وقيل المراد به أبراج الحمام كانوا يبنونها للهو واللعب والأكثرون على أن المراد به المكان المرتفع ومنه ريع النبات، وهو ارتفاعه بالزيادة. أى أتبنون - على سبيل اللهو واللعب - فى كل مكان مرتفع، بناء يعتبر آية وعلامة على عبثكم وترفكم، وغروركم. { وَتَتَّخِذُونَ } أى وتعملون { مَصَانِعَ } أى قصورا ضخمة متينة، أو حياضا تجمعون فيها مياه الأمطار... { لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } أى عاملين عمل من يرجو الخلود فى هذه الحياة الفانية { وَإِذَا بَطَشْتُمْ } أى وإذا أردتم السطو والظلم والبغى على غيركم { بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ }. أى أخذتموه بعنف وقهر وتسلط دون أن تعرف الرحمة إلى قلوبكم سبيلا. فأنت ترى أن هودا - عليه السلام - قد استنكر على قومه تطاولهم فى البنيان بقصد التباهى والعبث والتفاخر، لا بقصد النفع العام لهم ولغيرهم. كما استنكر عليهم انصرافهم عن العمل الصالح الذى ينفعهم فى آخرتهم وانهماكهم فى التكاثر من شئون دنياهم حتى لكأنهم مخلدون فيها، كما استنكر عليهم - كذلك - قسوة قلوبهم، وتحجر مشاعرهم، وإنزالهم الضربات القاصمة بغيرهم بدون رأفة أو شفقة. وبعد نهيه إياهم عن تلك الرذائل، أمرهم بتقوى الله وطاعته وشكره على نعمه فقال { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }. أى اتركوا هذه الرذائل، واتقوا الله وأطيعون فى كل ما آمركم به. أو أنهاكم عنه، واتقوا الله - تعالى - الذى أمدكم بألوان لا تحصى من النعم، فقد أمدكم بالأنعام - وهى الإِبل والبقر والغنم - التى هى أعز أموالكم، وأمدكم بالأولاد ليكونوا قوة لكم، وأمدكم بالبساتين العامرة بالثمار، وبالعيون التى تنتفعون بمائها العذب.

السابقالتالي
2