الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } * { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } * { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً } * { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً }

الضمير فى قوله - تعالى - { وَيَعْبُدُونَ... } يعود على الكافرين، الذين عموا وصموا عن الحق. أى أن هؤلاء الكافرين يتركون عبادة الله - تعالى - الواحد القهار، ويعبدون من دونه آلهة لا تنفعهم عبادتها إن عبدوها، ولا تضرهم شيئا من الضرر إن تركوا عبادتها. وقوله - سبحانه - { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } بيان لما وصل إليه هؤلاء الكافرون من حمق وجهالة وجحود. فالمراد بالكافر جنسه. والظهير المعين. يقال ظاهر فلان فلانا إذا أعانه وساعده. وظهير بمعنى مظاهر. أى وكان هؤلاء الكافرون مظاهرين ومعاونين للشيطان وحزبه، على الإِشراك بالله - تعالى - الذى خلقهم، وعلى عبادة غيره - سبحانه -. ويصح أن يكون الكلام على حذف مضاف. أى وكان الكافر على حرب دين ربه، ورسول ربه، مظاهرا للشيطان على ذلك. وقال - سبحانه - { عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } لتفظيع جريمة هذا الكافر وتبشيعها، حيث صوره - سبحانه - بصورة من يعاون على مخاربة خالقه ورازقه ومربيه وواهبه الحياة. ثم بين - سبحانه - الوظيفة التى من أجلها أرسل رسوله فقال { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً }. أى وما أرسلناك - أيها الرسول الكريم - إلى الناس جميعا، إلا لتبشرهم بثواب الله - تعالى - ورضوانه إذا أخلصوا له العبادة والطاعة، ولتنذرهم بعقابه وغضبه، إن هم استمروا على كفرهم وشركهم، فبلغ رسالتنا - أيها الرسول - ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر. و { قُلْ } لهم على سبيل النصح والإِرشاد ودفع التهمة عن نفسك { مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أى ما أسألكم على هذا التبليغ والتبشير والإِنذار من أجر، إن أجرى إلا على الله - تعالى - وحده. وقوله - سبحانه - { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } استثناء منقطع. أى لا أسألكم على تبليغى لرسالة ربى أجرا منكم، لكن من شاء منكم أن يتخذ إلى مرضاة ربه سبيلا، عن طريق الصدقة والإِحسان إلى الغير، فأنا لا أمنعه من ذلك. قال الآلوسى ما ملخصه قوله { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ } أى إلى رحمته ورضوانه { سَبِيلاً } أى طريقا. والاستثناء عند الجمهور منقطع، أى لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه - سبحانه - سبيلا، أى بالإِنفاق القائم مقام الأجر، كالصدقة فى سبيل الله، فليفعل. وذهب البعض إلى أنه متصل. وفى الكلام مضاف مقدر، أى إلا فعل من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا بالإِيمان والطاعة حسبما أدعو إليهما، أى فهذا أجرى. وفى ذلك قلع كلى لشائبة الطمع، وإظهار لغاية الشفقة عليهم، حيث جعل ذلك - مع كون نفعه عائدا عليهم - عائدا إليه صلى الله عليه وسلم فى صورة الأجر.

السابقالتالي
2 3 4