الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } * { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } * { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } * { لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } * { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } * { فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً }

قال القرطبى قوله - تعالى - { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ.. } يجوز أن تكون هذه الرؤية من رؤية العين، ويجوز أن تكون من العلم. قال الحسن وقتادة وغيرهما مد الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. وحكى أبو عبيدة عن رؤبة أنه قال " كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فىء وظل، وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل ". والجملة الكريمة شروع فى بعض دلائل قدرته - سبحانه - وواسع رحمته، إثر بيان جهالات المشركين، وغفلتهم عما فى هذا الكون من آثار تدل على وحدانية الله - تعالى -. والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والاستفهام للتقرير. والمعنى لقد رأيت - أيها الرسول الكريم - بعينيك، وتأملت بعقلك وبصيرتك، فى صنع ربك الذى أحسن كل شىء خلقه، وكيف أنه - سبحانه - مد الظل، أى بسطه وجعله واسعا متحركا مع حركة الأرض فى مواجهة الشمس، وجعله مكانا يستظل فيه الناس من وهج الشمس وحرها، فيجدون عنده الراحة بعد التعب... وهذا من عظيم رحمة ربك بعباده. وقوله - تعالى - { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } جملة معترضة لبيان مظهر من مظاهر قدرته - تعالى -. أى " ولو شاء " - سبحانه - لجعل هذا الظل " ساكنا " أى ثابتا دائما مستقرا على حالة واحدة بحيث لا تزيله الشمس، ولا يذهب عن وجه الأرض، ولكنه - سبحانه - لم يشأ ذلك، لأن مصلحة خلقه ومنفعتهم فى وجوده على الطريقة التى أوجده عليها بمقتضى حكمته. وقوله - سبحانه - { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } معطوف على قوله { مَدَّ ٱلظِّلَّ } داخل فى حكمه. أى ألم ترى إلى عجيب صنع ربك كيف مد الظل، ثم جعلنا بقدرتنا وحكمتنا الشمس دليلا عليه، إذ هو يزول بتسلطها عليه ويظهر عند احتجابها عنه، ويستدل بأحوالها على أحواله، فهو يتبعها كما يتبع الإنسان من يدله على الشىء، من حيث إنه يزيد كلما احتجبت عنه، ويتقلص كلما ظهرت عليه. قال الجمل قوله { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } أى جعلنا الشمس بنسخها الظل عند مجيئها دالة على أن الظل شىء، لأن الأشياء تعرف بأضدادها، ولولا الشمس ما عرف الظل، ولولا النور ما عرفت الظلمة... ولم يؤنث الدليل - وهو صفة الشمس - لأنه فى معنى الاسم، كما يقال الشمس برهان، والشمس حق. وقوله - تعالى - { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } معطوف - أيضا - على " مد " وداخل فى حكمه. والقبض ضد المد والبسط، واليسير السهل الذى لا عسر فيه. أى ثم قبضنا ذلك الظل الممدود بقدرتنا وحكمتنا - قبضا يسيرا وهينا علينا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6