الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } * { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } * { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }

قال الإِمام ابن كثير - رحمه الله - يخبر - تعالى - عن استهزاء المشركين بالرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأوه، كما قال - تعالى -وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ... } يعنونه بالعيب والنقص.. ومن عجب أن هؤلاء المشركين الذين كانوا يستهزئون بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد بعثته إليهم، هم أنفسهم الذين كانوا يلقبونه قبل بعثته بالصادق الأمين، وما حملهم على هذا الكذب والجحود إلا الحسد والعناد. وقوله - تعالى - { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } مقول لقول محذوف وعائد الموصول محذوف - أيضا -. أى كلما وقعت أبصار أعدائك عليك - أيها الرسول الكريم - سخروا منك، واستنكروا نبوتك، وقالوا على سبيل الاستبعاد والتهكم أهذا هو الإِنسان الذى بعثه الله - تعالى - ليكون رسولا إلينا. وقولهم هذا الذى حكاه القرآن عنهم، يدل على أنهم بلغوا أقصى درجات الجهالة وسوء الأدب. ثم يشير القرآن إلى كذبهم فيما قالوه، لأنهم مع إظهارهم للسخرية منه صلى الله عليه وسلم كانوا فى واقع أمرهم، وحقيقة حالهم يعترفون له بقوة الحجة، وهذا ما حكاه القرآن عنهم فى قوله { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا }. أى أنهم كانوا يقولون فيما بينهم إن هذا الرسول كاد أن يصرفنا بقوة حجته عن عبادة آلهتنا. لولا أننا قاومنا هذا الشعور وثبتنا على عبادة أصنامنا. قال الآلوسى قوله { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا } أى يصرفنا عن عبادتها صرفا كليا بحيث يبعدنا عنها لا عن عبادتها فقط. لولا أن صبرنا عليها واستمسكنا بعبادتها... وهذا اعتراف منهم بأنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ من الاجتهاد فى الدعوة إلى التوحيد... ما شارفوا معه أن يتركوا دينهم لولا فرط جهالاتهم ولجاجهم وغاية عنادهم. وقوله - تعالى - { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } تهديد لهم على سوء أدبهم، وعلى جحودهم للحق بعد أن تبين لهم. أى وسوف يعلم هؤلاء الكافرون حين يرون العذاب ماثلا أمام أعينهم، من أبعد طريقا عن الحق، أهم أم المؤمنون. فالجملة الكريمة وعيد شديد لهم على استهزائهم بالرسول الكريم الذى جاءهم ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان. ثم يهملهم القرآن ويتركهم فى طغيانهم يعمهون ويلتفت بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليسرى عن نفسه، وليسليه عما لحقه منهم. وليبين له حقيقة حالهم فيقول { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً... }. والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَرَأَيْتَ } للتعجب من شناعة أحوالهم، ومن قبح تفكيرهم. والمراد بـ { هَوَاهُ } ما يستحسنه من تصرفات حتى ولو كانت فى نهاية القبح والسخف.

السابقالتالي
2