الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } * { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } * { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } * { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً }

قوله - تعالى - { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ.. } كلام مستأنف لزيادة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولترهيب المشركين وحضهم على الاتعاظ والاعتبار واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يعرضوا أنفسهم للهلاك والدمار الذى نزل بأمثالهم من السابقين. أى وبالله لقد آتينا موسى - عليه السلام - " الكتاب " أى التوارة لتكون هداية لقومه { وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً }. أى وجعلنا معه - بفضلنا وحكمتنا - أخاه هارون لكى يكون عونا له وعضدا فى تبليغ ما أمرناه بتبليغه. { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } والتدمير أشد الإِهلاك. وأصله كسر الشىء على وجه لا يمكن إصلاحه، وفى الكلام حذف يعرف من السياق. والمعنى فقلنا لهما اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، وهم فرعون وقومه، فذهبا إليهم ودعواهم إلى الإِيمان، فأعرضوا عنهما وكذبوهما، وتمادوا فى طغيانهم، فكانت عاقبة ذلك أن دمرناهم تدميرا عجيبا، بأن أغرقهم الله جميعا، أمام موسى و من معه. فقوله - تعالى - { فَدَمَّرْنَاهُمْ.. } معطوف على مقدر، أى فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم تدميرا. ثم حكى - سبحانه - ما جرى لقوم نوح فقال { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ.... }. والمراد بالرسل نوح ومن قبله، أو نوح وحده، وعبر عنه بالرسل، لأن تكذيبهم له يعتبر تكذيبا لجميع الرسل، لأن رسالتهم واحدة فى أصولها. { وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً } أى بعد أن أغرقناهم بسبب كفرهم، جعلنا إغراقهم أو قصتهم عبرة وعظة للناس الذين يعتبرون ويتعظون. والتعبير بـ " آية " بصيغة التنكير، يشير إلى عظم هذه الآية وشهرتها، ولا شك أن الطوفان الذى أغرق الله - تعالى - به قوم نوح من الآيات التى لا تنسى. وقوله - سبحانه - { وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } بيان لسوء مصير كل ظالم يضع الأمور فى غير مواضعها. أى وهيأنا وأعددنا للظالمين عذابا أليما موجعا، بسبب ظلمهم وكفرهم، وعلى رأس هؤلاء الظالمين قوم نوح، الذين كفروا به وسخروا منه... ثم ذكر - سبحانه - بضع من جاء بعد قوم نوح فقال { وَعَاداً وَثَمُودَاْ } أى ودمرنا وأهلكنا قوم عاد بسبب تكذيبهم لنبيهم هود - عليه السلام-، كما أهلكنا قوم ثمود بسبب تكذيبهم لنبيهم صالح - عليه السلام -. وقوله - تعالى - { وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ } معطوف على ما قبله. أى وأهلكنا أصحاب الرس. كما أهلكنا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود. والرس فى لغة العرب البئر التى لم تبن بالحجارة، وقيل البئر مطلقا، ومنه قول الشاعر
وهم سائرون إلى أرضهم فياليتهم يحفرون الرساسا   
أى فياليتهم يحفرون الآبار. وللمفسرين فى حقيقة أصحاب الرس أقوال فمنهم من قال إنهم من بقايا قبيلة ثمود، بعث الله إليهم نبيا فكذبوه ورَسُّوه فى تلك البئر أى ألقوا به فيها، فأهلكهم الله - تعالى -.

السابقالتالي
2 3