الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } * { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً } * { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } * { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } * { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } * { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } * { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } * { يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } * { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً }

قال الفخر الرازى اعلم أن قوله - تعالى - { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } هو الشبهة الرابعة لمنكرى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وحاصلها لماذا لم ينزل الله الملائكة حتى يشهدوا أن محمدا محق فى دعواه، أو نرى ربنا حتى يخبرنا بأنه أرسله إلينا.. والرجاء الأمل والتوقع لما فيه خير ونفع. وفسره بعضهم بمجرد التوقع الذى يشمل ما يسر وما يسوء، وفسره بعضهم هنا بأن المراد به الخوف. والمراد بلقائه - سبحانه - الرجوع إليه يوم القيامة للحساب والجزاء. أى وقال الكافرون الذين لا أمل عندهم فى لقائنا يوم القيامة للحساب والجزاء لأنهم ينكرون ذلك، ولا يبالون به، ولا يخافون أهواله. قالوا - على سبيل التعنت والعناد - هلا أنزل علينا الملائكة لكى يخبرونا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم أو هلا نرى ربنا جهرة ومعاينة ليقول لنا إن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول من عندى! وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -.. أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } أى ليشهدوا بصدقك، وقد رد الله - تعالى - عليهم بقوله { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً }. والعتو تجاوز الحد فى الظلم والعدوان. يقال عتا فلان يعتو عتوا، إذا تجاوز حده فى الطغيان. أى والله لقد أضمر هؤلاء الكافرون الاستكبار عن الحق فى أنفسهم المغرورة، وتجاوزوا كل حد فى الطغيان تجاوزا كبيرا، حيث طلبوا مطالب هى أبعد من أن ينالوها بعد الأرض عن السماء. وصدق الله إذ يقول... إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ.. } ووصف - سبحانه - عتوهم بالكبر للدلالة على إفراطهم فيه، وأنهم قد وصلوا فى عتوهم إلى الغاية القصوى منه. ثم بين - سبحانه - الحالة التى يرون فيها الملائكة فقال { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ }. أى لقد طلب هؤلاء الظالمون نزول الملائكة عليهم، ورؤيتهم لهم. ونحن سنجيبهم إلى ما طلبوه ولكن بصورة أخرى تختلف اختلافا كليا عما يتوقعونه، إننا سنريهم الملائكة عند قبض أرواحهم وعند الحساب بصورة تجعل هؤلاء الكافرين يفزعون ويهلعون. بصورة لا تبشرهم بخير ولا تسرهم رؤيتهم معها، بل تسوءهم وتحزنهم، كما قال - تعالى -وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ.. } وكما قال - سبحانه -فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف. لبيان حالهم الشنيعة عندما تنزل عليهم الملائكة. بعد بيان تجاوزهم الحد فى الطغيان وفى طلب ما ليس من حقهم. والمراد بالملائكة هنا ملائكة العذاب الذين يقبضون أرواحهم، والذين يقودونهم إلى النار يوم القيامة. وقال - سبحانه - { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ.

السابقالتالي
2 3 4 5