الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما روى عن ابن عباس أنه قال لما أنزل الله - تعالى -يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ.. } تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والعمى والعرج، وقالوا الطعام أفضل الأموال، وقد نهانا الله عن أكل المال والباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والأعرج لا يتمكن من الجلوس، ولا يستطيع المزاحمة، والمريض يضعف عن التناول ولا يستوفى من الطعام حقه، فأنزل الله هذه الآية. وقيل نزلت ترخيصا لهؤلاء فى الأكل من بيوت من سمى الله فى هذه الآية، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام، فإذا لم يكن عنده شىء ذهب بهم إلى بيت أبيه، أو بيت أمه، أو بعض من سمى الله فى هذه الآية، فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك، ويقولون ذهب بنا إلى غير بيته، فأنزل الله هذه الآية. وقيل نزلت رخصة للأعمى والأعرج والمريض عن التخلف عن الجهاد... ويبدو لنا أن الآية الكريمة نزلت لتعليم المؤمنين ألوانا متعددة من الآداب التى شرعها الله - تعالى - لهم، ويسرها لهم بفضله وإحسانه، حتى يعلموا أن شريعته - سبحانه - مبنية على اليسر لا على العسر، وعلى التخفيف ورفع الحرج، لا على التشديد والتضييق. والحرج الضيق ومنه الحرجة للشجر الملتف المتكاثف بعضه ببعض، حتى ليصعب على الشخص أن يمشى فيه. والمراد به هنا الإثم. والمعنى ليس على الأعمى والأعرج والمريض حرج أو إثم فى الأكل من بيوت هؤلاء الذين سماهم الله - تعالى -. كذلك ليس عليكم حرج أو إثم - أيها المؤمنون - فى أن تأكلوا أنتم ومن معكم { مِن بُيُوتِكُمْ } التى هى ملك لكم. وذكر - سبحانه - بيوتهم هنا مع أنه من المعروف أنه لا حرج فى أن يأكل الإِنسان من بيته، للإِشعار بأن أكلهم من بيوت الذين سيذكرهم - سبحانه - بعد ذلك من الآباء والأمهات والأقارب، يتساوى فى نفى الحرج مع أكلهم من بيوتهم أى أن أكل الناس من بيوتهم لم يذكر هنا لنفى حرج كان متوهما، وإنما ذكر لإِظهار التسوية بين أكلهم من بيوت أقاربهم وأصدقائهم، وبين أكلهم من بيوتهم. وبعضهم يرى أن المراد بقوله { أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } أى من بيوت زوجاتهم وأولادهم. ثم ذكر - سبحانه - بيوتا أخرى لا حرج عليهم فى الأكل منها فقال { أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } أى أو البيوت التى تملكون التصرف فيها بإذن أصحابها، كأن تكونوا وكلاء عنهم فى التصرف فى أموالهم.

السابقالتالي
2 3