الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قال الإِمام ابن كثير " هذا وعد من الله - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أى أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وقد فعل تبارك وتعالى ذلك... فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح عليه مكة وخيبر والبحرين، وسائر جزيرة العرب، ولهذا ثبت فى الصحيح عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتى ما زوى لى منها.. ". وفى تصدير الآية الكريمة بقوله - تعالى - { وَعَدَ ٱللَّهُ.. } بشارة عظيمة للمؤمنين، بتحقيق وعده - تعالى -، إذ وعد الله لا يتخلف. كما قال - تعالى -وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، ومن بيانية، والآية الكريمة مقررة لمضمون ما قبلها، وهو قوله - تعالى -وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ... } أى وعد الله - تعالى - بفضله وإحسانه، الذين صدقوا فى إيمانهم من عباده، والذين جمعوا مع الإِيمان الصادق، العمل الصالح، وعدهم ليستخلفهم فى الأرض، أى ليجعلنهم فيها خلفاء يتصرفون فيها تصرف أصحاب العزة والسلطان والغلبة، بدلا من أعدائهم الكفار. قال الآلوسى واللام فى قوله " ليستخلفنهم " واقعة فى جواب القسم المحذوف. ومفعول وعد الثانى محذوف دل عليه الجواب. أى وعد الله الذين آمنوا استخلافهم، وأقسم ليستخلفنهم... و " ما " فى قوله " كما استخلف " مصدرية والجار والمجرور متعلق بمحذوف. وقع صفة لمصدر محذوف، أى ليستخلفنهم استخلافا كائنا كاستخلافه " الذين من قبلهم " من الأمم المؤمنة، الذين أسكنهم الله - تعالى - فى الأرض بعد إهلاك أعدائهم من الكفرة الظالمين. هذا هو الوعد الأول للمؤمنين أن يجعلهم - سبحانه - خلفاءه فى الأرض. كما جعل عباده الصالحين من قبلهم خلفاءه، وأورثهم أرض الكفار وديارهم. وأما الوعد الثانى فيتجلى فى قوله - تعالى - { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ }. والتمكين التثبيت والتوطيد والتمليك. يقال تمكن فلان من الشىء، إذا حازه وقدر عليه. أى وعد الله المؤمنين بأن يجعلهم خلفاءه فى أرضه، وبأن يجعل دينهم وهو دين الإِسلام الذى ارتضاه لهم. ثابتا فى القلوب، راسخا فى النفوس. باسطا سلطانه على أعدائه، له الكلمة العليا فى هذه الحياة، ولمخالفيه الكلمة السفلى. وأما الوعد الثالث فهو قوله - سبحانه - { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً }. أى وعدهم الله - تعالى - بالاستخلاف فى الأرض، وبتمكين دينهم. وبأن يجعل لهم بدلا من الخوف الذى كانوا يعيشون فيه، أمنا واطمئنانا، وراحة فى البال، وهدوءا فى الحال.

السابقالتالي
2 3