الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } * { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله - تعالى - { يُزْجِي } من الإِزجاء بمعنى الدفع بأناة ورفق. يقال زجى الراعى إبله تزجية، إذا ساقها برفق. وأزجت الريح السحاب، أى دفعته. والمعنى لقد علمت - أيها العاقل - ورأيت بعينيك، أن الله - تعالى - يسوق بقدرته السحاب الذى فى الجو، سوقا رفيقا إلى حيث يريد. { ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } أى يسوق - سبحانه - السحاب سوقا هادئا سهلا. ثم بعد ذلك يصل بعضه ببعض، ويجمع بعضه مع بعض، ثم بعد ذلك { يَجْعَلُهُ رُكَاماً } أى متراكما بعضه فوق بعض. يقال ركم فلان الشىء يركمه ركما، إذا جمعه، وألقى بعضه على بعض، ومنه الرمل المتراكم، أى المجتمع. وهذا الذى حكاه القرآن من سوق الله - تعالى - للسحب ثم تجميعها، ثم تحويلها إلى قطع ضخمة متراكمة متكاثفة كقطع الجبال، يراه الراكب للطائرات بوضوح وتسليم بقدرة الله - تعالى -، الذى أحسن كل شىء خلقه. وقوله - سبحانه - { فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ } بيان لما يترتب على هذا السوق الرفيق، والتجمع الدقيق من آثار. والودق المطر. وهو فى الأصل مصدر ودَق السحاب يدِق وَدْقاً، إذا نزل منه المطر. والخلال جمع خلل - كجبال وجبل - والمراد بها الفتوق والشقوق. قال القرطبى فى " الودق " قولان أحدهما أنه البرق... والثانى أنه المطر. وهو قول الجمهور يقال ودقت السحابة فهى وادقة. وودق المطر يدق ودقا. أى قطر. أى يسوق الله - تعالى - السحاب إلى حيث يشاء بقدرته، ثم يؤلف بينه، ثم يجعله متراكما بعضه فوق بعض، فترى - أيها العاقل - المطر يخرج من فتوق هذا السحاب المتراكم ومن فروجه، تارة بشدة وعنف، وتارة بهدوء ورفق. وقوله - تعالى - { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ... } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه -. أى وينزل - سبحانه - من جهة السماء قطعا من السحاب كأنها القطع من الجبال فى عظمها وضخامتها، { فِيهَا مِن بَرَدٍ } أى فى تلك القطع من السحاب الكثير من البرد، وهو شىء ينزل من السحاب يشبه الحصى، ويسمى حب الغمام وحب المزن. قال صاحب الكشاف فإن قلت ما الفرق بين " من " الأولى، والثانية، والثالثة فى قوله { وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ }؟. قلت الأولى لابتداء الغاية، والثانية للتبعيض، والثالثة للبيان، أو الأوليان للابتداء، والآخرة للتبعيض. فإن قلت ما معنى { مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ }؟ قلت فيه معنيان أحدهما أن يخلق الله فى السماء جبال برد. كما فى الأرض جبال حجر، والثانى أن يريد الكثرة بذكر الجبال، كما يقال فلان يملك جبالا من ذهب.

السابقالتالي
2 3