الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله - تعالى - { يَرْمُونَ } من الرمى، وأصله القذف بشىء صلب أو ما يشبهه تقول رمى فلان فلانا بحجر. إذا قذفه به. والمراد به هنا الشتم والقذف بفاحشة الزنا، أو ما يستلزمه كالطعن فى النسب. قال الإمام الرازى وقد أجمع العلماء على أن المراد هنا الرمى بالزنا. وفى الآية أقوال تدل عليه. أحدها تقدم ذكر الزنا. وثانيها أنه - تعالى - ذكر المحصنات، وهن العفائف، فدل ذلك على أن المراد بالرمى رميهن بضد العفاف، وثالثها قوله { ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } يعنى على صحة ما رموهن به، ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير مشروط إلا بالزنا، ورابعها انعقاد الإِجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمى بغير الزنا. فوجب أن يكون المراد هنا هو الرمى بالزنا... ". و " المحصنات " جمع محصنة، والإحصان فى اللغة بمعنى المنع، يقال هذه درع حصينة، أى مانعة صاحبها من الجراحة. ويقال هذا موضع حصين، أى مانع من يريده بسوء. والمراد بالمحصنات هنا النساء العفيفات البعيدات عن كل ريبة وفاحشة. وسميت المرأة العفيفة بذلك. لأنها تمنع نفسها من كل سوء. قالوا ويطلق الإِحصان على المرأة والرجل، إذا توفرت فيهما صفات العفاف. والإِسلام، والحرية، والزواج. وأنما خص - سبحانه - النساء بالذكر هنا لأن قذفهن أشنع، والعار الذى يلحقهن بسبب ذلك أشد، وإلا فالرجال والنساء فى هذه الأحكام سواء. وقوله - تعالى - { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ... } مبتدأ، أخبر عنه بعد ذلك بثلاث جمل، وهى قوله " فاجلدوهم...، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون ". والمعنى أن الذين يرمون النساء العفيفات بالفاحشة، ثم لم يأتوا بأربعة شهداء يشهدون لهم على صحة ما قذفوهن به، فاجلدوا - أيها الحكام - هؤلاء القاذفين ثمانين جلدة، عقابا لهم على ما تفوهوا به من سوء فى حق هؤلاء المحصنات، ولا تقبلوا لهؤلاء القاذفين شهادة أبدا بسبب إلصاقهم التهم الكاذبة بمن هو بىء منها. وأولئك هم الفاسقون. أى الخارجون على أحكام شريعة الله - تعالى - وعلى آدابها السامية. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد عاقب هؤلاء القاذفين للمحصنات بثلاث عقوبات. أولاها حسية، وتتمثل فى جلدهم ثمانين جلدة، وهى عقوبة قريبة من عقوبة الزنا. وثانيتها معنوية، وتتمثل فى عدم قبول شهادتهم، بأن تهدر أقوالهم، ويصيرون فى المجتمع أشبه ما يكونون بالمنبوذين، الذين إن قالوا لا يصدق الناس أقوالهم، وإن شهدوا لا تقبل شهادتهم، لأنهم انسخلت عنهم صفة الثقة من الناس فيهم. وثالثتها دينية، وتتمثل فى وصف الله - تعالى - لهم بالفسق. أى بالخروج عن طاعته - سبحانه - وعن آداب دينه وشريعته.

السابقالتالي
2 3