الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ } * { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قال الإِمام القرطبى ما ملخصه " قوله - تعالى - { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }. النور فى كلام العرب الأضواء المدركة بالبصر. واستعمل مجازا فيما صح من المعانى ولاح. فيقال كلام له نور... وفلان نور البلد. فيجوز أن يقال الله - تعالى - نور، من جهة المدح، لأنه أوجد جميع الأشياء، ونور جميع الأشياء منه ابتداؤها، وعنه صدورها، وهو - سبحانه - ليس من الأضواء المدركة، جل وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. واختلف العلماء فى تأويل هذه الآية فقيل المعنى به وبقدرته أنارت أضواؤها. واستقامت أمورها، وقامت مصنوعاتها، فالكلام على التقريب للذهن، كما يقال الملك نور أهل البلد، أى به قوام أمرها... فهو - أى النور - فى الملك مجاز. وهو فى صفة الله - تعالى - حقيقة محضة. قال ابن عرفة أى منور السموات والأرض. وقال مجاهد مدبر الأمور فى السموات والأرض. قال ابن عباس المعنى الله هادى السموات والأرض. والأول أعم للمعانى وأصح مع التأويل. ويبدو لنا أن أقرب الأقوال إلى الصواب هو الذى رجحه الإِمام القرطبى فيكون معنى الجملة الكريمة الله - تعالى - هو نور العالم كله علويه وسفليه، بمعنى منوره بالمخلوقات التكوينية، وبالآيات التنزيلية، وبالرسالات السماوية، الدالة دلالة واضحة على وجوده - سبحانه - وعلى وحدانيته، وقدرته، وسائر صفاته الكريمة، والهادية إلى الحق، وإلى ما به صلاح الناس فى دنياهم وآخرتهم. وقال ابن كثير " وقد ثبت فى الصحيحين عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول " اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ". وقال صلى الله عليه وسلم فى دعائه يوم آذاه المشركون من أهل الطائف " أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل بى غضبك، أو ينزل بى سخطك، لك العتبى - أى الرجوع عن الذنب - حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك ". وأضاف - سبحانه - نوره إلى السموات والأرض، للدلالة على سعة إشراق هذا النور، وعموم سنائه، وتمام بهائه فى الكون كله. ثم قرب - عز وجل - نوره إلى الأذهان فقال { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ... }. أى صفة نوره العجيبة الشأن فى الإِضاءة والسطوع، كصفة مشكاة - وهى الفتحة الصغيرة فى الجدار دون أن تكون نافذة فيه - هذه المشكاة فيها مصباح، أى سراج ضخم ثاقب تشع منه الأنوار. وقال - سبحانه - { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } لأن وجود المصباح فى هذه المشكاة يكون أجمع لنوره، وأحصر لضيائه، فيبدو قويا متألقا، بخلاف مالو كان المصباح فى مكان نافذ فإنه لا يكون كذلك.

السابقالتالي
2 3 4