الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } * { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قال الآلوسى قوله - تعالى - { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ... } شروع فى بيان أحكام كلية شاملة للمؤمنين كافة، يندرج فيها حكم المستأذنين عند دخول البيوت اندراجا أوليا. وقوله - تعالى - { يَغُضُّواْ } من الغض بمعنى الخفض. يقال غض الرجل صوته إذا خفضه. وغض بصره إذا خفضه ومنعه من التطلع إلى مالا يحل له النظر إليه. قال الشاعر
وأغض طرفى إن بدت لى جارتى حتى يوارى جارتى مأواها   
وهو جواب الأمر " قل " أى قل - أيها الرسول الكريم - للمؤمنين بأن يغضوا من أبصارهم عما يحرم أو يكره النظر إليه وبأن يحفظوا فروجهم عما لا يحل لهم، فإن ذلك دليل على كمال الإِيمان! وعلى حسن المراقبة وشدة الخوف من الله - تعالى -. وجمع - سبحانه - بين غض البصر وحفظ الفرج، باعتبارهما كالسبب والنتيجة، إذ أن عدم غض البصر كثيرا ما يؤدى إلى الوقوع فى الفواحش، ولذا قدم - سبحانه - الأمر بغض البصر، على الأمر بحفظ الفرج. وجاء التعبير بقوله - سبحانه - { قُلْ } للإِشعار بأن المؤمنين الصادقين، من شأنهم إذا ما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر، فإنهم سرعان ما يمتثلون ويطيعون، لأنه صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله - تعالى - الذى يجب الامتثال لأمره ونهيه. وخص - سبحانه - المؤمنين بهذا الأمر، لأنهم أولى الناس بالمخاطبة. وبالإِرشاد إلى ما يرفع درجاتهم، ويعلى أقدارهم. قال صاحب الكشاف و " من " للتبعيض... فإن قلت كيف دخلت فى غض البصر، دون حفظ الفروج؟ قلت للدلالة على أن أمر النظر أوسع ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن... والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها... وأما أمر الفرج فمضيق. واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ } يعود إلى ما ذكر من الغض والحفظ. أى ذلك الذى كلفناك بأمر المؤمنين به - أيها الرسول الكريم - أزكى لقلوبهم، وأطهر لنفوسهم، وأنفع لهم فى دنياهم وآخرتهم. وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } تحذير من مخالفة أمره - سبحانه -. أى مرهم - أيها الرسول الكريم - بالتزام ما أمرناهم به وما نهيناهم عنه، لأننا لا يخفى علينا شىء من تصرفاتهم، ولأننا أعلم بهم من أنفسهم، وسنحاسبهم على ما يصنعون فى دنياهم، يوم القيامة. ثم أرشد - سبحانه - النساء إلى ما أرشد إليه الرجال فقال { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا }. أى وقل - أيها الرسول الكريم - للمؤمنات - أيضا - بأن الواجب عليهن أن يكففن أبصارهن عن النظر إلى مالا يحل لهن، وأن يحفظن فروجهن عن كل ما نهى الله - تعالى - عنه، ولا يظهرن شيئا مما يتزين به، إلا ما جرت العادة بإظهاره، كالخاتم فى الإِصبع، والكحل فى العين.

السابقالتالي
2 3 4 5