الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله - تعالى - { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي.. } شروع فى تفصيل الأحكام، التى أشار إليها - سبحانه - فى الآية الأولى من هذه السورة، وهى قولهسُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا... } والزنا من الرجل معناه وطء المرأة من غير ملك ولا شبهة ملك ومعناه من المرأة أن تمكن الرجل من أن يزنى بها. والخطاب فى قوله - تعالى - { فَٱجْلِدُواْ... } للحكام المكلفين بتنفيذ حدود الله - عز وجل -. قال الجمل " وفى رفع " الزانية والزانى " وجهان أحدهما - وهو مذهب سيبويه - أنه مبتدأ خبره محذوف. أى فيما يتلى عليكم حكم الزانية، ثم بين ذلك بقوله { فَٱجْلِدُواْ.. } والثانى وهو مذهب الأخفش وغيره - أنه مبتدأ. والخبر جملة الأمر، ودخلت الفاء لشبه المبتدأ بالشرط.. ". فإن قيل ما الحكمة فى أن يبدأ الله فى فاحشة الزنا بالمرأة، وفى جريمة السرقة بالرجل، حيث قالوَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا... } فالجواب أن الزنا من المرأة أقبح، فإنه يترتب عليه فساد الأنساب، وإلحاق الدنس والعار بزوجها وأهلها، وافتضاح أمرها عن طريق الحمل، وفضلا عن ذلك، فإن تمكينها نفسها للرجل هو الذى كان السبب فى اقترافه هذه الفاحشة، فلهذا وغيره قدمت المرأة هنا. وأما جريمة السرقة، فالغالب أن الرجال أكثر إقداما عليها، لأنها تحتاج إلى جسارة وقوة، واجتياز للمخاطر... لذا قدم الرجل على المرأة فيها. وقوله - تعالى - { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ.. } نهى منه - سبحانه - عن التهاون فى تنفيذ حدوده، وحض على إقامتها بحزم وقوة، والرأفة أعلى درجات الرحمة. يقال رؤف فلان بفلان - بزنة كرم - إذا اشتد فى رحمته، وفى العناية بأمره. أى أقيموا - أيها الحكام - حدود الله - تعالى - على الزانية والزانى بأن تجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، دون أن تأخذكم شفقة أو رحمة فى تنفيذ هذه الحدود، ودون أن تقبلوا فى التخفيف عنهما شفاعة شفيع، أو وساطة وسيط، فإن الله - تعالى - الذى شرع هذه الحدود. وأمر بتنفيذها بكل شدة وقوة، أرحم بعباده وبخلقه منكم. والرحمة والرأفة فى تنفيذ أحكامه، لا فى تعطيلها. ولا فى إجرائها على غير وجهها. وقوله - سبحانه - { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ... } تأكيد لما قبله، وإلهاب لمشاعرهم، لتنفيذ حدود الله - تعالى -. أى إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا حقا، فأقيموا حدود الله، وأجلدوا الزانية والزانى مائة جلدة، لا تأخذكم بهما رأفة أو شفقة فى ذلك. وقوله - سبحانه - { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بيان لما يجب على الحكام أن يفعلوه عند تنفيذ العقوبة والأمر بشهود عذابهما للاستحباب لا للوجوب.

السابقالتالي
2 3 4 5