الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } * { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

المعنى " إن الذين يرمون " بالفاحشة النساء " المحصنات " أى المانعات أنفسهن عن كل سوء وريبة " الغافلات " أى الغافلات عن أن تدور الفاحشة بأذهانهن، لأنهن طبعن على التخلق بالأخلاق الفاضلة الكريمة، فهن فوق كونهن محصنات، لا يخطر السوء ببالهن لطهارة معدنهن. " المؤمنات " أى الكاملات الإيمان بالله - تعالى -، وبصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وبكل ما يجب الإيمان به. وقوله - سبحانه - { لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } أى طردوا من رحمة الله - تعالى - فى الدنيا وفى الآخرة، وفوق كل ذلك " لهم " منه - تعالى - " عذاب عظيم " لا تحيط العبارة بوصفه. وجملة " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون " مقررة لمضمون ما قبلها، مبينة لحلول وقت ذلك العذاب بهم. أى لهم عذاب عظيم يوم القيامة، يوم يقفون أمام الله - تعالى - للحساب فتشهد عليهم ألسنتهم، وأيديهم، وأرجلهم، بما كانوا يعملونه فى الدنيا من أعمال سيئة، وبما كانوا يقولونه من أقوال قبيحة. فالمراد بشهادة هذه الجوارح، نطقها وإخبارها عما كانوا يعملونه فى الدنيا. وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ... } وقوله - سبحانه -ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } والمراد بالدين فى قوله - تعالى - { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ... } الجزاء الذى يستحقونه بسبب آثامهم. ويوفيهم من التوفية بمعنى إعطاء الشىء كاملا ووافيا. وقوله " يومئذ " ظرف ليوفيهم. أى فى هذا اليوم العظيم وهو القيامة. الذى تشهد فيه الجوارح على صاحبها، يجازى الله - تعالى - هؤلاء الفاسقين الجزاء الحق العادل الذى يستحقونه بسبب رميهم النساء المحصنات الغافلات المؤمنات بالفاحشة. " ويعلمون " علما لا مجال معه للشك أو الريب عندما يشاهدون العذاب " أن الله " - تعالى - هو الإله " الحق " فى ذاته وصفاته وأفعاله، وأنه - عز وجل - هو " المبين " أى المظهر لما أبطنته النفوس، وخبأته الضمائر، والقادر على مجازاة الذين أساءوا بما عملوا، وعلى مجازاة الذين أحسنوا بالحسنى. ثم ختم - سبحانه - الآيات التى نزلت فى حديث الإفك بتقرير سنته الإِلهية، التى نشاهدها فى واقع الناس - وهى أن شبيه الشىء منجذب إليه، وأن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف. وما تناكر منها اختلف " - كما جاء فى الحديث الشريف - فقال - تعالى - " الخبيثات للخبيثين " أى الخبيثات من النساء، مختصات بالخبيثين من الرجال " والخبيثون " من الرجال مختصون " بالخبيثات " من النساء، " والطيبات " منهن " للطيبين " منهم.

السابقالتالي
2 3 4