الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قال الإمام الرازى " اعلم أنه - سبحانه - بعد أن بين ما على أهل الإفك، وما على من سمع منهم، وما ينبغى أن يتمسك به المؤمنون من آداب، أتبعه بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ... } ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك فى هذا الذم، كما شارك فيه من فعله ومن لم ينكره، وليعلم أهل الإفك كما أن عليهم العقوبة فيما أظهروه، فكذلك يستحقون العقوبة بما أسروه، من محبة إشاعة الفاحشة فى المؤمنين. ومعنى " تشيع " تنتشر وتكثر، ومنه قولهم شاع الحديث. إذا ظهر بين الناس. والفاحشة هى الصفة البالغة أقصى دركات القبح، كالرمى بالزنا وما يشبه ذلك. وهى صفة لموصوف محذوف. أى الخصلة الفاحشة، والمقصود بمحبة شيوعها محبة شيوع خبرها بين عامة الناس. والمعنى إن الذين يحبون أن تنتشر قالة السوء بين صفوف المؤمنين، وفى شأنهم، لكى يلحقوا الأذى بهم، هؤلاء الذين يحبون ذلك " لهم " بسبب نواياهم السيئة " عذاب أليم فى الدنيا " كإقامة الحد عليهم، وازدراء الأخيار لهم، ولهم - أيضا - عذاب أليم " فى الآخرة " وهو أشد وأبقى من عذاب الدنيا. " والله " تعالى وحده " يعلم " ما ظهر وما خفى من الأمور والأحوال " وأنتم " أيها الناس - " لا تعلمون " إلا ما كان ظاهرا منها، فعاملوا الناس على حسب ظواهرهم، واتركوا بواطنهم لخالقهم، فهو - سبحانه - الذى يتولى محاسبتهم عليها. فالآية الكريمة يؤخذ منها أن العزم على ارتكاب القبيح، منكر يعاقب عليه صاحبه، وأن محبة الفجور وشيوع الفواحش فى صفوف المؤمنين، ذنب عظيم يؤدى إلى العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة، لأن الله - تعالى - علق الوعيد الشديد فى الدارين على محبة انتشار الفاحشة فى الذين آمنوا. ثم ذكر - سبحانه - المؤمنين بفضله عليهم مرة أخرى، لكى يزدادوا اعتبارا واتعاظا فقال { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }. وجواب " لولا " محذوف، كما أن خبر المبتدأ محذوف، والتقدير ولولا فضل الله عليكم، ورحمته بكم موجودان، لعاجلكم بالعقوبة. ولكنه - سبحانه - لم يعاجلكم بها، لأنه شديد الرأفة والرحمة بعباده، ولو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك عليها من دابة. ثم وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن اتباع خطوات الشيطان، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ... }. والخطوات جمع خطوة. وهى فى الأصل تطلق على ما بين القدمين. والمراد بها هنا طرقه ومسالكه ووساوسه، التى منها الإِصغاء إلى حديث الإِفك، والخوض فيه.

السابقالتالي
2 3