الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } * { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } * { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } * { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه " هذه الآيات نزلت فى شأن السيدة عائشة - رضى الله عنها - حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين، بما قالوه من الكذب البحت، والفرية التى غار الله - تعالى - لها ولنبيه صلى الله عليه وسلم فأنزل براءتها صيانة لعرض الرسول صلى الله عليه وسلم. جاء فى الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. فأقرع بيننا فى غزوة غزاها فخرج سهمى - وكان ذلك فى غزوة بنى المصطلق على الأرجح -، فخرجت مع النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك بعدما أُنزل الحجاب، وأنا أُحمل فى هودج وأنزل فيه. فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت من شأنى أقبلت إلى الراحلة، فلمست صدرى، فإذا عقد لى قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدى فاحتبسنى ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى، فاحتملوا هودجى، فرحلوه على بعيرى. وهم يحسبون أنى فيه. وكان النساء إذ ذاك خفافا، لم يثقلهن اللحم، فلم يستنكر القوم حين رفعوه خفة الهودج، فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدى بعد ما سار الجيش. فجئت منزلهم، وليس فيه أحد منهم فيممت منزلى الذى كنت فيه. وظننت أن القوم سيفقدوننى فيرجعون إلى. فبينا أنا جالسة فى منزلى غلبتنى عيناى فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمى، قد عرَّس - أى تأخر - من وراء الجيش، فأصبح عند منزلى فرأى سواد إنسان نائم، فأتانى فعرفنى حين رآنى. وقد كان يرانى قبل أن يُضْرَب علينا الحجاب. فاستيقظت باسترجاعه حتى عرفنى. فخمرت وجهى بجلبابى، والله ما كلمنى كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حين أناخ راحلته، فوطىء على يديها فركبتها، فانطلق يقود بى الراحلة. حتى أتينا الجيش، بعدما نزلوا فى نحو الظهيرة. فهلك من هلك فى شأنى، وكان الذى تولى كبره عبد الله بن أبى بن سلول... ". وقد افتتحت هذه الآيات الكريمة بقوله - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ }. والإفك أشنع الكذب وأفحشه، يقال أفِكَ فلان - كضرب وعلم - أَفْكاً وإِفْكاً، أى كذب كذبا قبيحا. والعصبة الجماعة من العشرة إلى الأربعين، من العصب وهو الشد، لأن كل واحد منها يشد الآخر ويؤازره. أى إن الذين قالوا ما قالوا من كذب قبيح، وبهتان شنيع، على السيدة عائشة - رضى الله عنها - هم جماعة ينتسبون إليكم - أيها المسلمون - بعضهم قد استزلهم الشيطان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6