الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } * { رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } * { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }

قال الجمل " لما أعلم الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه منزل عذابه بهؤلاء المشركين، إما فى حياته صلى الله عليه وسلم أو بعد مماته، علمه كيفية الدعاء بالتخلص من عذابهم فقال - تعالى - { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } وقوله { تُرِيَنِّي } فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، و { مَا } مفعول به، ورأى بصرية تعدت لمفعولين بواسطة الهمزة، لأنه من أرى الرباعى، فياء المتكلم مفعول أول، وما الموصولة المفعول الثانى... ". أى قل - أيها الرسول الكريم - يا رب إن تطلعنى وترينى العذاب الذى توعدت به هؤلاء المشركين، فأسألك - يا إلهى - أن لا تجعلنى قريناً لهم فيه، وأبعدنى عن هؤلاء القوم الظالمين، حتى لا يصيبنى ما يصيبهم. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى عصمة من الله - تعالى - من أن يجعله مع القوم الظالمين، حين ينزل بهم العذاب، ولكن جاءت الآية بهذا الدعاء والإرشاد، للزيادة فى التوقى، ولتعليم المؤمنين أن لا يأمنوا مكر الله، وأن يلوذوا دائماً بحماه. وقوله - سبحانه - { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } بيان لكمال قدرة الله تعالى التى لا يعجزها شىء. أى نحن قادرون - يا محمد - على إطلاعك على العذاب الذى أعددناه لهم ولكن لحكمة نعلمها، لم نطلعك عليه، بل سنؤخره عنهم إلى الوقت الذى نريده، قال تعالىوَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذاهم. وبمقابلة سيئاتهم بالخصال الحسنة، فقال { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ }. أى قابل - أيها الرسول الكريم - سيئات هؤلاء المشركين الجاهلين، بالأخلاق والسجايا التى هى أحسن من غيرها، كأن تعرض عنهم، وتصبر على سوء أخلاقهم، فأنت صاحب الخلق العظيم، ونحن أعلم منك بما يصفوننا به من صفات باطلة. وما يصفوك به من صفات ذميمة، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقون، فى الوقت الذى نريده. فالآية الكريمة توجيه حكيم من الله - تعالى - لنبيه -، وتسلية له عما أصابه من أعدائه، وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } ثم أمره - تعالى - بأن يستعيذ به من وساوس الشياطين ونزغاتهم فقال { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }. وقوله { هَمَزَاتِ } جمع همزة وهى المرة من الهمز. وهى فى اللغة النخس والدفع باليد أو بغيرها. يقال همزه يهمزه - بضم الميم وكسرها - إذا نخسه ودفعه وغمزه.

السابقالتالي
2