الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } * { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } * { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ }

قال الجمل قوله - تعالى - { بَلْ قُلُوبُهُمْ... } هذا رجوع لأحوال الكفار المحكية فيما سبق بقولهأَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ... } والجمل التى بينهما وهى قولهإِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ } إلى قولهوَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } اعتراض فى خلال الكلام المتعلق بالكفار. أى هذه هى أوصاف المؤمنين الصادقين، أما الكافرون فقلوبهم فى { غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } أى فى جهالة وغفلة مما عليه هؤلاء المؤمنون من صفات حميدة، ومن إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وهؤلاء الكافرون { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } سيئة كثيرة { مِّن دُونِ ذٰلِكَ } أى من غير ما ذكرناه عنهم من كون قلوبهم فى غمرة وجهالة عن الحق { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } أى هم مستمرون عليها، ومعتادون لفعلها مندفعون فى ارتكابها بدون وعى أو تدبر. ثم بين - سبحانه - عندما ينزل بهم العذاب فقال { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ }. وحتى هنا ابتدائية، أى حرف تبتدئ بعده الجمل، وجملة { إِذَآ أَخَذْنَا } شرطية. وجوابها { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ }. والجؤار الصراخ مطلقاً، أو باستغاثة. يقال جأر الثور يجأر إذا صاح. وجأر الداعى إلى الله، إذا ضج ورفع صوته بالتضرع إلى الله عز وجل. أى حتى إذا عاقبنا هؤلاء المترفين الذين أبطرتهم النعمة. بالعذاب الذى يردعهم ويخزيهم ويذلهم، إذا هم يجأرون إلينا بالصراخ وبالاستغاثة. وعبر عن عقابهم، بالأخذ، للإشعار بسرعة هذا العقاب وشدته، كما فى قوله - تعالى -... أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } وخص المترفين بالذكر، للإشارة إلى أن ما كانوا فيه من التنعم والتمتع والتطاول فى الدنيا، لن ينفعهم شيئاً عند نزول هذا العذاب بهم. وقوله - سبحانه - { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } تأنيب وزجر لهم على جؤارهم وصراخهم. والمراد باليوم. الوقت الذى فيه نزل العذاب بهم. أى عندما أخذناهم بالعذاب المباغت المفاجىء، وضجوا بالاستغاثة والجؤار، قلنا لهم على سبيل التقريع والزجر لا تجأروا ولا تصرخوا فى هذا الوقت الذى أصابكم ما أصابكم فيه من عذاب. فإنكم لن تجدوا من ينجيكم من عذابنا، أو من يدفع عنكم هذا العذاب... ثم بين - سبحانه - الأسباب التى أفضت بهم إلى هذا العذاب المهين، فقال - تعالى - { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُون.. }. والأعقاب جمع عقب، وهو مؤخر القدم و { تَنكِصُون } من النكوص، وهو الرجوع إلى الخلف. يقال فلان نكص على عقبيه، إذا رجع إلى الوراء، وهو هنا كناية عن الإعراض عن الآيات. أى لا تجأروا ولا تصرخوا، فإن ذلك لن يفيدكم شيئاً، بسبب إصراركم على كفركم فى حياتكم الدنيا، فقد كانت آياتى الدالة على وحدانيتى تتلى على مسامعكم من نبينا صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين به، فكنتم تعرضون عن سماعها أشد الإعراض، وكنتم تستهزئون بها، وتكادون تسطون بالذين يتلونها عليكم.

السابقالتالي
2