الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } * { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله - سبحانه - { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } بيان للصفة الأولى من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين. والإشفاق هو الخوف من الله - تعالى - والخشية منه - سبحانه - مع شدة الرقة فى القلب وكثرة الخوف من عقابه. أى أنهم من خشية عقابه - عز وجل - حذرون خائفون، وهذا شأن المؤمنين الصادقين، كما قال الحسن البصرى إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا. وقوله - تعالى - { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ } بيان للصفة الثانية أى أنهم يؤمنون إيماناً راسخاً بجميع آيات الله - سبحانه - الدالة على وحدانيته وقدرته، سواء أكانت تلك الآيات تنزيلية أم كونية. وقوله - عز وجل - { وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ } صفة ثالثة لهم. أى أنهم يخلصون العبادة لله - تعالى - وحده، ويقصدون بأقوالهم وأعمالهم وجهه الكريم، فهم بعيدون عن الرياء والمباهاة بطاعاتهم. ثم بين - سبحانه - صفتهم الرابعة فقال { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ }. قرأ القراء السبعة { يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ } بالمد، على أنه من الإتيان بمعنى الإِعطاء، والوجل استشعار الخوف. يقال وَجِل فلان وَجَلاً فهو واجل، إذا خاف، أى يعطون ما يعطون من الصدقات وغيرها من ألوان البر، ومع ذلك فإن قلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم هذا العطاء، لأى سبب من الأسباب فهم كما قال بعض الصالحين لقد أدركنا أقواماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم، أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها. قال الإمام ابن كثير ما ملخصه أى يعطون العطاء وهم خائفون أن لا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا فى القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط. كما روى الإمام أحمد عن عائشة أنها قالت " يا رسول الله { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } هو الذى يسرق ويزنى ويشرب الخمر، وهو يخاف الله - عز وجل -؟ قال " لا يا بنت الصديق، ولكنه الذى يصلى ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله - تعالى - ". ثم قال - رحمه الله - وقد قرأ آخرون { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ.. } من الإتيان. أى يفعلون ما فعلوا وهم خائفون... والمعنى على القراءة الأولى - وهى قراءة الجمهور السبعة وغيرهم - أظهر لأنه قال - بعد ذلك - { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } فجعلهم من السابقين، ولو كان المعنى على القراءة الأخرى، لأوشك أن لا يكونوا من السابقين، بل من المقتصدين أو المقتصرين. وجملة { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } حال من الفاعل فى قوله - تعالى - { يُؤْتُونَ }.

السابقالتالي
2