الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ } * { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } * { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً عَالِينَ } * { فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ } * { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ ٱلْمُهْلَكِينَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ }

أى { ثُمَّ أَنشَأْنَا } من بعد قوم نوح وقوم هود { قُرُوناً آخَرِينَ } أى أقواماً آخرين من الناس، كل قوم كانوا مجتمعين فى زمان واحد، كقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب وغيرهم. وقوله عز وجل - { مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } بيان لمظهر من مظاهر قدرة الله - تعالى - وإحكامه لشئون خلقه... أى ما تسبق أمة من الأمم أجلها الذى قدرناه لها ساعة من الزمان، ولا تستأخر عنه ساعة، بل الكل نهلكه ونميته فى الوقت الذى حددناه بقدرتنا وحكمتنا. و " من " فى قوله { مِنْ أُمَّةٍ } مزيدة للتأكيد وفى هذا المعنى قوله - تعالى -وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } ثم بين - سبحانه - على سبيل الإِجمال، أن حكمته قد اقتضت أن يرسل رسلاً آخرين، متتابعين فى إرسالهم. كل واحد يأتى فى أعقاب أخيه. ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور. فقال - تعالى - { ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى... }. ولفظ { تَتْرَى } مصدر كدعوى، وألفه للتأنيث وأصله وَتْرى فقلبت الواو تاء، وهو منصوب على الحال من رسلنا. أى ثم أرسلنا بعد ذلك رسلنا متواترين متتابعين واحداً بعد الآخر، مع فترة ومهلة من الزمان بينهما. قال القرطبى ومعنى " تترى " تتواتر، ويتبع بعضهم بعضاً ترغيباً وترهيباً.. قال الأصمعى واترت كتبى عليه، أتبعت بعضها بعضاً إلى أن بين كل واحد منها وبين الآخر مهلة... وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { تَتْرًى } بالتنوين على أنه مصدر أدخل فيه التنوين على فتح الراء، كقولك حمدًا وشكرًا... ثم بين - سبحانه - موقف كل أمة من رسولها فقال { كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ.. }. أى كلما جاء رسول كل أمة إليها ليبلغها رسالة الله - تعالى - وليدعوها إلى عبادته وحده - سبحانه - كذب أهله هذه الأمة هذا الرسول المرسل إليهم. وأعرضوا عنه وآذوه... قال ابن كثير " وقوله { كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ } يعنى جمهورهم وأكثرهم، كقوله - تعالى -يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وأضاف - سبحانه - الرسول إلى الأمة، للإشارة إلى أن كل رسول قد جاء إلى الأمة المرسل إليها. وفى التعبير بقوله { كُلَّ مَا جَآءَ... } إشعار بأنهم قابلوه بالتكذيب. بمجرد مجيئه إليهم، أى إنهم بادروه بذلك بدون تريث أو تفكر. فماذا كانت عاقبتهم؟ كانت عاقبتهم كما بينها - سبحانه - فى قوله { فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ }. أى فأتبعنا بعضهم بعضاً فى الهلاك والتدمير، وجعلناهم بسبب تكذيبهم لرسلهم أحاديث يتحدث الناس بها على سبيل التعجب والتلهى، ولم يبق بين الناس إلا أخبارهم السيئة.

السابقالتالي
2 3 4 5