الطرائق جمع طريقة، والمراد بها السموات السبع. وسميت طرائق لأن كل سماء فوق الأخرى، والعرب تسمى كل شىء فوق شىء طريقة بمعنى مطروقة. وهو مأخوذ من قولهم فلان طرق النعل، إذا ركب بعضها فوق بعض. فالآية الكريمة فى معنى قوله - تعالى -{ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً } وقيل سميت طرائق، لأنها طرق الملائكة فى النزول والعروج. أى ولقد خلقنا فوقكم - أيها الناس - سبع سموات بعضها فوق بعض { وَمَا كُنَّا } فى وقت من الأوقات { عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } بل نحن معهم بقدرتنا ورعايتنا وحفظنا، ندبر لهم أمور معاشهم، ونيسر لهم شئون حياتهم دون أن نغفل عن شىء - مهما صغر - من أحوالهم، لأننا لا تأخذنا سنة ولا نوم، ولا يعترينا ما يعترى البشر من سهو أو غفلة. ثم بين - سبحانه - بعض النعم التى تأتينا من جهة هذه الطرائق فقال { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ.. }. أى وأنزلنا لكم - أيها الناس - بقدرتنا ورحمتنا، ماء بقدر. أى أنزلناه بمقدار معين، بحيث لا يكون طوفاناً فيغرقكم، ولا يكون قليلاً فيحصل لكم الجدب والجوع والعطش. وإنما أنزلناه بتقدير مناسب لجلب المنافع، ودفع المضار، كما قال - سبحانه - فى آية أخرى{ ... وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } وقوله { فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ } أى هذا الماء النازل من السماء بتقدير معين منا تقتضيه حكمتنا، جعلناه ساكناً مستقراً فى الأرض، لتنعموا به عن طريق استخراجه من الآبار والعيون وغيرها. وفى هذه الجملة الكريمة إشارة إلى أن المياه الجوفية الموجودة فى باطن الأرض، مستمدة من المياه النازلة من السحاب عن طريق المطر. وهذا ما قررته النظريات العلمية الحديثة بعد مئات السنين من نزول القرآن الكريم. وبعد أن بقى العلماء دهوراً طويلة، يظنون أن المياه التى فى جوف الأرض، لا علاقة لها بالمياه النازلة على الأرض عن طريق المطر. وقوله - سبحانه - { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ } بيان لمظهر من مظاهر قدرته ورأفته ورحمته - تعالى - بعباده. أى وإنا على إذهاب هذا الماء الذى أسكناه فى باطن الأرض لقادرون، بأن نجعله يتسرب إلى أسفل طبقات الأرض لا تستطيعون الوصول إليه، أو بأن نزيله من الأرض إزالة تامة، لأن القادر على إنزاله قادر على إزالته وإذهابه، ولكنا لم نفعل ذلك رحمة بكم، وشفقة عليكم، فاشكرونا على نعمنا وضعوها فى مواضعها الصحيحة. قال صاحب الكشاف " قوله { عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ } من أوقع النكرات وأحزها للمفصل. والمعنى على وجه من وجوه الذهاب به، وطريق من طرقه، وفيه إيذان باقتدار المذهب، وأنه لا يتعايى عليه شىء إذا أراده، وهو أبلغ فى الإبعاد، من قوله