الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } * { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ }

المراد بالإنسان هنا آدم - عليه السلام -. والسلالة اسم لما سُلَّ من الشىء واستُخرج منه. تقول سللت الشعرة من العجين، إذا استخرجتها منه. يقال الولد سلالة أبيه. أى كأنه انسل من ظهر أبيه. والمعنى ولقد خلقنا أباكم آدم من جزء مستخرج من الطين. والتعبير بسلالة يشعر بالقلة، إذ لفظ الفعالة يدل على ذلك، كقلامة الظفر، ونحاتة الحجر، وهى ما يتساقط عند النحت. و " من " فى الموضعين ابتدائية إلا أن الأولى متعلقة " بخلقنا " والثانية متعلقة بسلالة بمعنى مسلولة من الطين. والضمير المنصوب فى قوله { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } يعود على النوع الإنسانى المتناسل من آدم - عليه السلام -. وأصل النطفة الماء الصافى. أو القليل من الماء الذى يبقى فى الدلو أو القربة، وجمعها نُطف ونِطَاف. يقال نطفت القربة، إذا تقاطر ماؤها بقلة. والمراد بها هنا المنى الذى يخرج من الرجل، ويصب فى رحم المرأة. والمعنى لقد خلقنا أباكم آدم بقدرتنا من سلالة من طين، ثم خلقنا ذريته بقدرتنا - أيضاً - من منى يخرج من الرجل فيصب فى قرار مكين، أى فى مستقر ثابت ثبوتاً مكيناً، وهو رحم المرأة. قال القرطبى " قوله - تعالى - { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } الإنسان هو آدم - عليه السلام - لأنه استل من الطين. ويجىء الضمير فى قوله { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ } عائداً على ابن آدم، وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر، فإن المعنى لا يصلح إلا له... ". وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى -ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ... } وقوله - سبحانه -أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } ثم بين - سبحانه - أطواراً أخرى لخلق الإنسان تدل على كمال قدرته - تعالى - فقال { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً } أى ثم صيرنا النطفة البيضاء، علقة حمراء إذ العلقة عبارة عن الدم الجامد. { فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً } أى جعلنا بقدرتنا هذه العلقة قطعة من اللحم، تشبه فى صغرها قطعة اللحم التى يمضغها الإنسان فى فمه. { فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً } أى حولنا هذه المضغة من اللحم التى لم تظهر معالمها بعد، إلى عظم صغير دقيق، على حسب ما اقتضته حكمتنا فى خلقنا. { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً } أى فكسونا هذه المضغة التى تحولت بقدرتنا إلى عظام دقيقة باللحم، بحيث صار هذا اللحم ساتراً للعظام ومحيطاً بها. قال بعض العلماء " وهنا يقف الإنسان مدهوشاً، أمام ما كشف عنه القرآن من حقيقة فى تكوين الجنين، لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيراً، بعد تقدم علم الأجنة التشريحى ".

السابقالتالي
2