الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ } * { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } * { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } * { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ } * { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَقُل رَّبِّ ٱغْفِرْ وَٱرْحَمْ وَأنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ }

أى قال الله - تعالى - لهم بعد أن زجرهم وأمرهم أن يسكتوا سكوت هوان وذلة كم عدد السنين التى لبثتموها فى دنياكم التى تريدون الرجوع إليها؟ ولا شك أن الله - تعالى - يعلم مقدار الزمن الذى لبثوه، ولكنه سألهم ليبين لهم قصر أيام الدنيا، بالنسبة لما هم فيه من عذاب مقيم، وليزيد فى حسرتهم وتوبيخهم. وهنا يقولون فى يأس وذلة { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } وهو جواب يدل على استصغارهم للمدة التى لبثوها فى الدنيا. بجانب ما هم فيه من عذاب. وقوله - تعالى - { فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ } يشعر بذهولهم عن التحقق من مقدار المدة التى لبثوها فى الدنيا. أى فاسأل المتمكنين من معرفة المدة التى مكثناها فى الدنيا. فيرد الله - تعالى - عليهم بقوله { قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ } أى ما لبثتم فى الدنيا، { إِلاَّ قَلِيلاً } أى إلا وقتا قليلا { لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } شيئا من العلم لأدركتم أن ما لبثتموه فى الدنيا، هو قليل جدا بالنسبة إلى مكثكم فى النار بسبب إصراركم على كفركم فى حياتكم الدنيا، فجواب لو محذوف، لدلالة الكلام عليه. ولا يتعارض قولهم هنا { لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم } مع آيات أخرى ذكرت بأنهميَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } وبأنهممَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } كما فى قوله - تعالى -وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ.. } لأن كل فريق منهم قد أخبر بما تبادر إلى ذهنه، فبعضهم قال لبثنا عشرا، وبعضهم قال لبثنا يوما أو بعض يوم، وبعضهم أقسم بأنه ما لبث فى الدنيا غير ساعة. وهذا يدل على أن أهوال العذاب، قد أنستهم ما كانوا فيه فى الدنيا من متاع، وما انغمسوا فيه من شهوات... والاستفهام فى قوله - تعالى - { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً... } للإنكار والنفى، والحسبان هنا بمعنى الظن. والفاء معطوفة على محذوف مقدر. والعبث اللعب وما لا فائدة فيه من قول أو فعل. أى أغرتكم الدنيا، وغفلتم عن مصيركم، فحسبتم أنما خلقناكم عبثا لا لحكمة تقتضيها إرادتنا من خلقكم، وحسبتم كذلك { أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ } يوم القيامة للحساب والجزاء. إن جزاء هذا الحسبان الباطل، هو هذا المصير المهين الذى تصطلون بناره اليوم. ثم نزه - سبحانه - ذاته عن أن يكون قد خلقهم عبثا فقال { فَتَعَالَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ.. }. أى فتعاظم وتقدس عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، الله الملك الحق، فهو - عز وجل - منزه عن أن يخلق الناس بدون حكمة أو غرض صحيح. { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } فإن كل ما عداه مخلوق له، وهو - سبحانه - { رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ }.

السابقالتالي
2