الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } * { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } * { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } * { قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } * { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } * { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }

قوله - تعالى - { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ... } بيان لحال الكافرين عندما يدركهم الموت. و " حتى " حرف ابتداء... والمراد بمجىء الموت مجىء علاماته. أى أن هؤلاء الكافرين يستمرون فى لجاجهم وطغيانهم، حتى إذا فاجأهم الموت، ونزلت بهم سكراته، ورأوا مقاعدهم فى النار، قال كل واحد منهم يا رب ارجعنى إلى الدنيا، { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } أى لكى أعمل عملا صالحا فيما تركت خلفى من عمرى فى أيام الدنيا، بأن أخلص لك العبادة والطاعة وأتبع كل ما جاء به نبيك من أقوال وأفعال. وجاء لفظ { ٱرْجِعُونِ } بصيغة الجمع. لتعظيم شأن المخاطب، وهو الله - تعالى - واستدرار عطفه - عز وجل-. أو أن هذا الكافر استغاث بالله - تعالى - فقال " رب " ثم وجه خطابه بعد ذلك إلى خزنة النار من الملائكة فقال " ارجعون ". و " لعل " فى قوله تعالى { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً } للتعليل. أى ارجعون لكى أعمل عملا صالحا. وفى معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة، منها قوله - تعالى -.. وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } وقوله - سبحانه -وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } ثم بين - سبحانه - الجواب عليهم فقال { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }. و " كلا " حرف زجر وردع. والبرزخ الحاجز والحاجب بين الشيئين لكى لا يصل أحدهما إلى الآخر. والمراد بالكلمة ما قاله هذا الكافر. أى رب ارجعون. أى يقال لهذا الكافر النادم كلا، لا رجوع إلى الدنيا { إِنَّهَا } أى قوله رب ارجعون، { كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } ولن تجديه شيئا، لأنه قالها بعد فوات الأوان لنفعها، { وَمِن وَرَآئِهِمْ } أى ومن أمام هذا الكافر وأمثاله، حاجز يحول بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا، وهذا الحاجز مستمر إلى يوم البعث والنشور. فالمراد بالبرزخ تلك المدة التى يقضيها هؤلاء الكافرون منذ موتهم إلى يوم يبعثون. وفى هذه الجملة الكريمة. زجر شديد لهم عن طلب العودة إلى الدنيا. وتيئيس وإقناط لهم من التفكير فى المطالبة بالرجعة، وتهديد لهم بعذاب القبر إلى يوم القيامة. ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن ما ينفع الناس يوم القيامة إنما هو إيمانهم وعملهم، لا أحسابهم ولا أنسابهم. فقال - تعالى - { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ }. والأنساب جمع نسب. والمراد به القرابة، والمراد بالنفخ فى الصور النفخة الثانية التى يقع عندها البعث والنشور. وقيل النفخة الأولى التى عندها يُحِيى الله الموتى.

السابقالتالي
2 3