الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

والمراد بالركوع والسجود هنا الصلاة، وعبر عنها بهما، لأنهما أهم أركانها، وناداهم - سبحانه - بصفة الإِيمان، لحضهم على الامتثال لما أمروا به. أى يا من آمنتم بالله - تعالى - وبملائكته وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر حافظوا على أداء الصلاة فى مواقيتها بخشوع وإخلاص، لأن هذه الصلاة من شأنها أن تنهاكم عن الفحشاء والمنكر، وأن ترفع درجاتكم عند خالقكم. وقوله - تعالى - { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } أى واعبدوا ربكم الذى تولاكم برعايته وتربيته فى كل مراحل حياتكم، عبادة خالصة لوجهه الكريم. وقوله { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } تعميم بعد التخصيص، إذ فعل الخير يشمل كل قول وعمل يرضى الله - تعالى - كإنفاق المال فى وجوه البر، وكصلة الرحم وكالإِحسان إلى الجار وكغير ذلك من الأفعال التى حضت عليها تعاليم الإِسلام. وقوله - تعالى - { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } تذييل قصد به التحريض على امتثال ما أمره الله - تعالى - به، والفلاح الظفر بالمطلوب. أى أدوا الصلاة بخشوع ومواظبة، واعبدوا ربكم عبادة خالصة، وافعلوا الخير الذى يقربكم من خالقكم، لكى تنالوا رضاه وثوابه - عز وجل -. فكلمة " لعل " للتعليل، ويصح أن تكون على معناها الحقيقى وهو الرجاء، ولكن على تقدير صدوره من العباد فيكون المعنى وافعلوا الخير حالة كونكم راجين الفلاح، ومتوقعين الفوز والنجاح. والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها أنها قد جمعت أنواع التكاليف الشرعية، وأحاطت بها من كل جوانبها. قال الآلوسى ما ملخصه وهذه الآية آية سجدة عند الشافعى وأحمد، لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود، ولحديث عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما. وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها ليست آية سجدة. لأنها مقرونة بالأمر بالركوع، والمعهود فى مثله من القرآن، كونه أمرا بما هو ركن للصلاة، كما فى قوله - تعالى -يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } وما روى من حديث عقبة إسناده ليس بالقوى. وبعد أن أمر - سبحانه - بالصلاة وبالعبادة وبفعل الخير، أتبع ذلك بالأمر بالجهاد فقال - تعالى - { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ }. والجهاد مأخوذ من الجهد، وهو بذل أقصى الطاقة فى مدافعة العدو. وهى أنواع، أعظمها جهاد أعداء الله - تعالى - من الكفار والمنافقين والظالمين والمبتدعين فى دين الله - تعالى - ما ليس منه. كذلك من أنواع الجهاد جهاد النفس الأمارة بالسوء، وجهاد الشيطان. وإضافة " حق " إلى " جهاد " فى قوله { حَقَّ جِهَادِهِ } من إضافة الصفة الى الموصوف أى وجاهدوا - أيها المؤمنون - فى سبيل الله - تعالى - ومن أجل إعلاء كلمته، ونصر شريعته، جهادا كاملا صادقا لا تردد معه ولا تراجع.

السابقالتالي
2 3 4