الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

أى أن هؤلاء المشركين الذين ينازعونك فيما جئتهم به من عند ربك، يتركون ما تدعوهم إليه - أيها الرسول الكريم - من إخلاص للعبادة لله - تعالى - ويعبدون من دونه - سبحانه - آلهة أخرى لا دليل لهم على عبادتها من عقل أو نقل. إذ قوله - سبحانه - { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } نفى لأن يكون لهم دليل سمعى على عبادتها وقوله - تعالى - { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } نفى لأن يكون لهم دليل عقلى على عبادتها. والتنكير فى قوله " سلطانا، وعلم " للتقليل، أى لا دليل لهم أصلا لا من جهة السمع، ولا من جهة العقل، ومع ذلك يتمسكون بهذه العبادة الباطلة. وقوله - تعالى - { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } تهديد بسور المصير لهؤلاء المشركين. أى وما للظالمين الذين وضعوا العبادة فى غير موضعها، من نصير ينصرهم من عقاب الله وعذابه، لأنهم بسبب عبادتهم لغير الله - تعالى -، قد قطعوا عن أنفسهم كل رحمة ومغفرة. ثم بين - سبحانه - أنهم بجانب ضلالهم، تأخذهم العزة بالإِثم إذا ما نصحهم الناصحون بالإِقلاع عن هذا الضلال فقال { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا.. }. وقوله { يَسْطُونَ } من السطو، بمعنى الوثب والبطش بالغير. يقال سلطا فلان على فلان، إذا بطش به بضرب أو شتم أو سرقة أو ما يشبه ذلك. أى وإذا تتلى على هؤلاء الظالمين، آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، من قبل عبادنا المؤمنين { تَعْرِفُ } - أيها الرسول الكريم - { فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بهذه الآيات البينات { ٱلْمُنْكَرَ } أى ترى فى وجوههم الإِنكار لها، والغضب منها ومن قارئها، والكراهية والعبوس عند سماعها. بل ويكادون فوق ذلك، يبطشون بالمؤمنين الذين يتلون عليهم آياتنا، ويعتدون عليهم بالسب تارة، والضرب تارة أخرى. وذلك لأن هؤلاء الظالمين، حين عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة لجأوا إلى السطو والعدوان، وهذا شأن الطغاة الجاهلين فى كل زمان ومكان. ثم أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهؤلاء الطغاة على سبيل التهديد والوعيد، ما من شأنه أن يردعهم عن سطوهم وبغيهم فقال { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ }. أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الظالمين ألا أخبركم بما هو أشد ألما من غيظكم على من يتلو عليكم آياته، ومن همكم بالسطو عليه؟. أشد من كل ذلك { ٱلنَّارُ } التى { وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أى وعدهم بدخولها، و بالاصطلاء بسعيرها { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } مصير هؤلاء الكافرين. قال الجمل وقوله { ٱلنَّارُ } خبر مبتدأ محذوف، كأن سائلا سأل فقال وما الأشر؟ فقيل النار، أى هو النار. وحينئذ فالوقف على ذلكم، أو على النار. ويصح أن يكون لفظ النار مبتدأ، والخبر وعدها الله، وعلى هذا فالوقف على كفروا... ثم وجه - سبحانه - نداء إلى الناس. بين فيه أن كل آلهة تعبد من دونه - عز وجل - فهى باطلة وهى أعجز من أن تدافع عن نفسها، وأن كل عابد لها هو جاهل ظالم. فقال - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ... }.