الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ }

قال أبو حيان فى البحر لما ذكر - سبحانه - من يجادل فى قدرة الله بغير علم، وكان جدالهم فى الحشر والمعاد، ذكر دليلين واضحين على ذلك. أحدهما فى نفس الإِنسان وابتداء خلقه. وتطوره فى أطوار سبعة، وهى التراب، والنطفة، والعلقة، والمضغة، والإِخراج طفلا، وبلوغ الأشد، والتوفى أو الرد إلى أرذل العمر. والدليل الثانى فى الأرض التى يشاهد تنقلها من حال إلى حال فإذا اعتبر العاقل ذلك ثبت عنده جوازه عقلا، فإذا ورد الشرع بوقوعه، وجب التصديق به، وأنه واقع لا محالة. والمراد بالناس هنا المشركون وكل من كان على شاكلتهم فى إنكار أمر البعث واستبعاده، لأن المؤمنين يعترفون بأن البعث حق، وأنه واقع بلا أدنى شك أو ريب. والمعنى يأيها الناس إن كنتم فى شك من أمر إعادتكم إلى الحياة مرة أخرى للحساب يوم القيامة، فانظروا وتفكروا فى مبدأ خلقكم، فإن هذا التفكر من شأنه أن يزيل هذا الشك، لأن الذى أوجدكم الإِيجاد الأول. وخلقكم من التراب، قادر على إعادتكم إلى الحياة مرة أخرى، إذ الإِعادة - كما يعرف كل عاقل - أيسر من ابتداء الفعل. وقد قرب - سبحانه - هذا المعنى فى أذهانكم فى آيات كثيرة، منها قوله - تعالى -وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } وأتى - سبحانه - بأن المفيدة للشك فقال { إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ } مع أن كونهم فى ريب أمر محقق تنزيلاً للمحقق منزلة المشكوك فيه، وتنزيهاً لموضوع البعث عن أن يتحقق الشك فيه من أى عاقل، وتوبيخا لهم لوضعهم الأمور فى غير مواضعها. ووجه الإِتيان بفى الدالة على الظرفية، للإِشارة إلى أنهم قد امتلكهم الريب وأحاط بهم إحاطة الظرف بالمظروف. قال الآلوسى " وقوله { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } دليل جواب الشرط، أو هو الجواب بتأويل، أى إن كنتم فى ريب من البعث، فانظروا إلى مبدأ خلقكم ليزول ريبكم، فإنا خلقناكم من تراب، وخلقهم من تراب فى ضمن خلق أبيهم آدم منه... ". وقال بعض العلماء ما ملخص والتحقيق فى معنى قوله - تعالى { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ } أنه - سبحانه - خلق أباهم آدم منه، ثم خلق من آدم زوجه حواء، ثم خلق الناس منهما عن طريق التناسل. فلما كان أصلهم الأول من تراب، أطلق عليهم أنه خلقهم من تراب لأن الفروع تتبع الأصل. وعلى ذلك يكون خلقهم من تراب هو الطور الأول.. ". ثم بين - سبحانه - الطور الثانى من أطوار خلق الإِنسان فقال { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } وهذا اللفظ مأخوذ من النطف - بفتح النون مع التشديد وإسكان الطاء - بمعنى السيلان والتقاطر.

السابقالتالي
2 3 4