الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }

قال الآلوسى قوله - تعالى - { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ... } كلام مستأنف جىء به لزجر معاصريه - صلى الله عليه وسلم - من أهل الأديان السماوية عن منازعته، ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع، وإظهار خطئهم. والمراد بالأمة هنا القوم الذين يدينون بشريعة معينة. والمراد بالمنسك المنهج والشريعة التى يتبعونها فى عقيدتهم وفى معاملاتهم... أى شرعنا لكل أمة من الأمم السابقة منهجا يسيرون عليه فى اعتقادهم وفى طريقة حياتهم، فالأمة التى وجدت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى - عليهما السلام - شريعتها التوراة، والأمة التى وجدت من بعث عيسى حتى مبعث محمد - صلى الله - شريعتها الإِنجيل، والأمة التى وجدت منذ مبعث محمد - صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة شريعتها القرآن. وعلى كل أمة أدركت بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن تتبعه فيما جاء به من عند ربه، لأن شريعته هى الشريعة الناسخة لما قبلها، والمهيمنة عليها. ويرى بعضهم أن المراد بالمنسك هنا المكان الذى يذبحون فيه ذبائحهم تقربا إلى الله - تعالى -. وقد رجح الإِمام ابن جرير ذلك فقال ما ملخصه وأصل المناسك فى كلام العرب الموضع المعتاد الذى يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شر. يقال إن لفلان منسكا يعتاده، يراد مكانا يغشاه ويألفه لخير أو شر. وقد اختلف أهل التأويل فى معنى المنسك هنا، فقيل عيد، وقيل إراقة الدم.. والصواب من القول فى ذلك أن يقال عنى بذلك إراقة الدم أيام النحر بمنى، لأن المناسك التى كان المشركون جادلوا فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت إراقة الدم فى هذه الأيام... ولذلك قلنا عنى بالمنسك فى هذا الموضع الذبح... ويبدو لنا أن القول الأول، وهو تفسير المنسك بالشريعة الخاصة أقرب إلى الصواب لشموله للذبح وغيره. والضمير فى قوله { هُمْ نَاسِكُوهُ } يعود لكل أمة. أى جعلنا لكل أمة شريعة تسير على تعاليمها، وتنهج على نهجها.. والفاء فى قوله - تعالى - { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ } لترتيب النهى على ما قبلها. والمنازعة المجادلة والمخاصمة. والمراد بالأمر ما جاء به النبى - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه - تعالى - من تشريعات وأحكام. أى قد جعلنا لكل أمة من الأمم السابقة شريعة تتبع تعاليمها، وما دام الأمر كذلك، فاسلك أنت وأتباعك - أيها الرسول الكريم - الشريعة التى أوحيناها إليك، وأمرناك باتباعها، ولا تلتفت إلى مخاصمة من ينازعك فى ذلك من اليهود أو النصارى أو غيرهم، فإن منازعتهم لك فيما جئت به من عند ربك، يدل على جهلهم وسوء تفكيرهم، لأن ما جئت به من عند ربك مصدق لشريعتهم، ومهيمن عليها وناسخ لها.

السابقالتالي
2