الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات قد ذكر كثير من المفسرين ها هنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة، ظنا منهم أن مشركى قريش قد أسلموا. ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح. ثم قال - رحمه الله - قال ابن أبى حاتم حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير قال قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة سورة النجم، فلما بلغ هذا الموضعأَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } قال فألقى الشيطان على لسانه " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن ترتجى ". قالوا - أى المشركون - ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ.. }. وجمع - سبحانه - بين الرسول والنبى، لأن المقصود بالرسول من بعث بكتاب، وبالنبى من بعث بغير كتاب، أو المقصود بالرسول من بعث بشرع جديد، وبالنبى من بعث لتقرير شرع من قبله. ولفظ { تَمَنَّىٰ } هنا فسره العلماء بتفسيرين أولهما أنه من التَّمَنِّى، بمعنى محبة الشىء، وشدة الرغبة فى الحصول عليه، ومفعول " ألقى " محذوف والمراد بإلقاء الشيطان فى أمنيته محاولته صرف الناس عن دعوة الحق، عن طريق إلقاء الأباطيل فى نفوسهم، وتثبيتهم على ما هم فيه من ضلال. والمعنى وما أرسلنا من قبلك - يا محمد - من رسول ولا نبى، إلا إذا تمنى هداية قومه إلى الدين الحق الذى جاءهم به من عند ربه، ألقى الشيطان الوساوس والشبهات فى طريق أمنيته لكى لا تتحقق هذه الأمنية، بأن يوهم الشيطان الناس بأن هذا الرسول أو النبى ساحر أو مجنون، أو غير ذلك من الصفات القبيحة التى برأ الله - تعالى - منها رسله وأنبياءه. قال - تعالى -كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } والآية الكريمة على هذا التفسير واضحة المعنى، ويؤيدها الواقع، إذ أن كل رسول أو نبى بعثه الله - تعالى - كان حريصا على هداية قومه، وكان يتمنى أن يؤمنوا جميعا، بل إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كاد يهلك نفسه هما وغما بسبب إصرار قومه على الكفر. قال - تعالى -فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } إلا أن قوم كل رسول أو نبى منهم من آمن به.

السابقالتالي
2 3 4