الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } * { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ } * { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }

والمعنى لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لأن هؤلاء المشركين قد كذبوك فيما جئتهم به من عند ربك، وأعرضوا عنه، فإن قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم موسى، قد كذبوا هؤلاء الأنبياء الكرام، وما يقال لك من هؤلاء المشركين، قد قيل للرسل من قبلك. قال - تعالى -كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } واستغنى فى عاد وثمود عن ذكر القوم، لاشتهارهم بهذا الاسم الذى يدل دلالة واضحة على هؤلاء الظالمين. وقال - سبحانه - { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ } ولم يقل وقوم شعيب، لأنهم هم الأسبق فى التكذيب له - عليه السلام - على أصحاب الآيكة، ولأنهم هم أهله أما أصحاب الأيكة فكانوا غرباء عنه. وقال - سبحانه - { وَكُذِّبَ مُوسَىٰ } لأنه لم يكذَّب من جميع قومه وهم بنو إسرائيل. وإنما كان المكذب له هو فرعون وملأه، وللإِشارة إلى أن موسى - عليه السلام - قد جاء إلى الناس بآيات واضحات تدل على صدقه، ومع ذلك فقد قوبل بالتكذيب من فرعون وملئه. ثم بين - سبحانه - ما حل بهؤلاء من عقوبات فقال { فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }. والإِملاء الإِمهال وفى الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ". والنكير اسم مصدر بمعنى الإِنكار، يقال أنكرت على فلان فعله، إذا ردعته وزجرته عنه. أى هؤلاء الأقوام الذين كذبوا أنبياءهم، لم أعاجلهم بالعقوبة، بل أملهتهم وأمليت لهم، ثم أخذتهم أخذ عزيز مقتدر، فانظر - أيها العاقل - كيف كان إنكارى عليهم؟ لقد كان إنكارا مخيفا مهلكافَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } وقال - سبحانه - { فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ } بالإِظهار دون الإِضمار، لزيادة التشنيع عليهم والاستفهام فى قوله - تعالى - { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } للتهويل والتعجيب. أى لقد كان إنكارا فظيعا حول حياتهم إلى موت، وعمرانهم إلى خراب، وغرورهم إلى ذلة وهوان.. فعلى مشركى قريش أن يعتبروا بذلك ويتعظوا.. وإلا فالعاقبة معروفة لهم. وبعد هذا البيان المشتمل على سوء عاقبة هذه الأمم التى كذبت رسلها.. أتبع ذلك - سبحانه - ببيان مصير كثير من الأمم الظالمة فقال { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ }.

السابقالتالي
2 3 4