الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } * { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ }

قال الفخر الرازى اعلم أنه - تعالى - لما بين ما يلزم فى الحج ومناسكه وما فيه من منافع الدنيا والآخرة، وما كان من صد الكفار عنه، أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد. ويؤمن معه التمكن من الحج فقال - تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ.. }. ومفعول " يدافع " محذوف. وجاء التعبير بقوله - تعالى - { يُدَافِعُ } بصيغة المفاعلة، للمبالغة فى الدفاع والدفع، أو للدلالة على أن ذلك حاصر للمؤمنين كلما حصل من الكافرين عدوان عليهم. أى إن الله - تعالى - بفضله وكرمه يدافع عن المؤمنين أعداءهم وخصومهم، فيرد كيدهم فى نحورهم. وصح أن يكون { يُدَافِعُ } بمعنى يدفع، ويؤيده قراءة ابن كثير وأبى عمرو. أى أن الله - تعالى - يدفع السوء عن عباده المؤمنين الصادقين، ويجعل العاقبة لهم على أعداءهم. فالجملة الكريمة بشارة للمؤمنين، وتقوية لعزائمهم حتى يقبلوا على ما شرعه الله لهم من جهاد أعدائهم، بثبات لا تردد معه، وبأمل عظيم فى نصر الله وتأييده. وقوله - سبحانه - { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } تعليل لوعده - سبحانه - للمؤمنين بالدفاع عنهم، وبجعل العاقبة لهم. والخوان هو الشديد الخيانة، والكفور هو المبالغ فى كفره وجحوده، فاللفظان كلاهما صيغة مبالغة. قال الآلوسى وصيغة المبالغة فيهما لبيان أن المشركين كذلك، لا للتقييد المشعر بمحبة الخائن والكافر.... أى إن الله - تعالى - يدافع عن المؤمنين لمحبته لهم، ويبغض هؤلاء الكافرين الذين بلغوا فى الخيانة والكفر اقصى الدركات. وأوثر التعبير بقوله - تعالى - { لاَ يُحِبُّ } على قوله يبغض أو يكره، للإِشعار بأن المؤمنين هم أحباء الله - تعالى -، وللتعريض بهؤلاء الكافرين الذين تجاوزوا كل حد فى كراهيتهم لأهل الحق. ثم رخص - سبحانه - للمؤمنين بأن يقاتلوا فى سبيله فقال { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ... }. وقوله - تعالى - { أُذِنَ } فعل ماض مبنى للمجهول مأخوذ من الإِذن بمعنى الإِباحة والرخصة. والمقصود إباحة مشروعية القتال، وقد قالوا بأن هذه الآيات أول ما نزل في شأن مشروعية القتال. أخرج الإِمام أحمد والترمذى عن ابن عباس قال لما خرج النبى - صلى الله عليه وسلم - من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم ليهلكن، فنزلت هذه الآيات. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي { أُذِنَ } بالبناء الفاعل. والمأذون لهم فيه هو القتال، وهو محذوف فى قوة المذكور بدليل قوله { يُقَاتَلُونَ } والباء فى قوله { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } للسببية. أى أذن الله - تعالى - للمؤمنين، ورخص لهم، بأن يقاتلوا أعداءهم الذين ظلموهم، وآذوهم، واعتدوا عليه، بعد أن صبر هؤلاء المؤمنون على أذى أعدائهم صبرا طويلا.

السابقالتالي
2 3