الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ }

والمنسك - بفتح السين وكسرها - مأخوذ من النسك بمعنى العبادة، فيجوز أن يراد به النسك نفسه، ويجوز أن يراد به مكانه أو زمانه. ويبدو أن المراد به هنا عبادة خاصة وهى الذبح تقربا إلى الله - تعالى -. قال الآلوسى والمنسك موضع النسك إذا كان اسم مكان، أو النسك إذا كان مصدرا. وفسره مجاهد هنا بالذبح وإراقة الدماء على وجه التقرب إليه - تعالى - فجعله مصدرا، وحمل النسك على عبادة خاصة، وهو أحد استعمالاته وإن كان فى الأصل بمعنى العبادة مطلقا، وشاع فى أعمال الحج.. وجملة { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ... } معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلكلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } والمعنى جعلنا لكم - أيها المؤمنون - منافع كثيرة فى هذه الأنعام إلى وقت معين، ثم تكون نهايتها وذبحها عند البيت الحرام، كما جعلنا وشرعنا لمن قبلكم من الأمم شعيرة الذبح ليتقربوا بها إلينا، وأرشدناهم إلى المكان الذى يذبحون فيه، وإلى أفضل الطرق التى تجعل، ذبائحهم مقبولة عندنا. وفى هذه الجملة الكريمة { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } ، تحريك لنفوسهم نحو الإِقدام على إراقة الدم تقربا إلى الله، لأن هذه الذبائح ليست من شعائر هذه الأمة وحدها، وإنما هى من شعائرها ومن شعائر الأمم التى سبقتها. وقوله - تعالى - { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } بيان للعلة التى من أجلها شرعت تلك الذبائح. أى شرعناها لكم وللأمم السابقة عليكم للإِكثار من ذكر الله عند ذبحها فهو - سبحانه - الذى رزقكم إياها بفضله وإحسانه، فعليكم أن تكثروا من ذكره وشكره، ليزيدكم من خيره ورزقه. وفى هذه الجملة الكريمة تقريع وتوبيخ لمن يذكرون غير اسم الله - تعالى - عند الذبح، وتأكيد لوجوب ذكر اسمه - تعالى -، حتى لكأن المقصود الأعظم من ورائ ذبح هذه الأنعام، هو المداومة على ذكر اسم الله - عز وجل - و على شكره - سبحانه - على نعمه، أما ما سوى ذلك كالأكل منها، والانتفاع بها.. فهى مقاصد فرعية. ثم عقب - سبحانه - على ذلك بتقرير وحدانيته، وبوجوب إسلام الوجه إليه، فقال { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ }. أى شرعنا لكم ذلك لأن إلهكم إله واحد لا شريك له لا فى ذاته ولا فى صفاته، فله وحده أسلموا وجوهكم، وأخلصوها لعبادته وطاعته. فجملة { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } بمثابة العلة لما قبلها من تخصيص اسمه الكريم بالذكر عند الذبح، لأن تفرده - سبحانه - بالألوهية يستلزم هذا التخصيص. وقوله - تعالى - { فَلَهُ أَسْلِمُواْ } مرتب على ما قبله، لأنه متى ثبت أن المستحق للعبادة والطاعة هو الله الواحد الأحد، فعليهم أن يسلموا وجوههم إليه.

السابقالتالي
2 3 4