الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } * { حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }

واسم الإِشارة { ذٰلِكَ } فى قوله { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ... } يؤتى به فى مثل هذا التركيب للفصل بين كلامين، والمشهور فى مثل هذا التركيب الإِتيان بلفظ " هذا " كما فى قوله - تعالى -هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } وجىء هنا بلفظ ذلك للإِشعار بتعظيم شأن المتحدث عنه، وعلو منزلته، وهو يعود إلى المذكور من تهيئة مكان البيت لإِبراهيم، وأمره بتطهيره....الخ. قال صاحب الكشاف قوله { ذٰلِكَ } خبر مبتدأ محذوف أى الأمر والشأن ذلك، كما يقدم الكاتب جملة من كتابه فى بعض المعانى، ثم إذا أراد الخوض فى معنى آخر قال هذا، وقد كان كذا. والحرمات جمع حرمة. والحرمة كل ما أمر الله - تعالى - باحترامه، ونهى عن قوله أو فعله، ويدخل فى ذلك دخولا أوليا ما يتعلق بمناسك الحج كتحريم الرفث والفسوق والجدال والصيد، وتعظيم هذه الحرمات يكون بالعلم بوجوب مراعاتها، وبالعمل بمقتضى هذا العلم. والمعنى ذلك الذى ذكرناه لكم عن البيت الحرام وعن مناسك الحج، هو جانب من أحكام الله - تعالى - فى هذا الشأن فاتبعوها، والحال أن من يعظم حرمات الله - تعالى - بأن يترك ملابستها واقترافها، فهو أى هذا التعظيم، خير له عند ربه، إذ بسبب هذا التعظييم لتلك الحرمات ينال رضا ربه وثوابه. وقد جاء النهى فى هذه الجملة عن فعل هذه الحرمات بأبلغ أسلوب حيث عبر عن اجتنابها بالتعظيم وبأفعل التفضيل وهو لفظ " خير " وبإضافتها إلى ذاته. فكأنه - سبحانه - يقول إذا كان ترك هذا التعظيم لحرمات الله يؤدى إلى حصولكم على شىء من المتاع الدنيوى الزائل، فإن الاستمساك بهذا التعظيم أفضل من ذلك بكثير عند ربكم وخالقكم، فكونوا عقلاء ولا تستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير. ثم بين - سبحانه - بعض الأحكام التى تتعلق بالأنعام وهى الإِبل والبقر والغنم فقال { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ }. أى وأحل الله - تعالى - لكم فضلا منه ورحمة ذبح الأنعام وأكلها إلا ما يتلى عليكم تحريم ذبح وأكله فاجتنبوه. وهذا الإِجمال هنا، قد جاء ما فصله قبل ذلك فى سورة الأنعام فى قوله - تعالى -قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } قال بعض العلماء ثم إنه ليس المقصود بما يتلى، ما ينزل فى المستقبل، كما يعطيه ظاهر الفعل المضارع، بل المراد ما سبق نزوله مما يدل على حرمة الميتة وما أهل لغير الله به.

السابقالتالي
2 3 4