الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } * { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ }

ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ... } روايات أشار الإِمام ابن كثير إلى معظمها فقال " ثبت فى الصحيحين عن أبى ذر أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ } نزلت فى حمزة وصاحبيه. وعتبة وصاحبيه، يوم برزوا فى بدر. وعن قتادة قال اختصم المسلمون وأهل الكتاب، فقال أهل الكتاب نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، فنحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون كتابنا يقضى على الكتب كلها، ونبينا خاتم الأنبياء، فنحن أولى بالله منكم، فأفلج الله الإِسلام على من ناوأه - أى فنصر الله الإِسلام -، وأنزل الآية. وعن مجاهد فى الآية مثل الكافر والمؤمن اختصما فى البعث. وهذا القول يشمل الأقوال كلها، وينتظم فيه قصة بدر وغيرها، فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله، والكافرون يريدون إطفاء نور الإِيمان. أى هذا خصمان اختصموا فى ذات ربهم وفى صفاته، بأن اعتقد كل فريق منهم أنه على الحق، وأن خصمه على الباطل. قال الجمل والخصم فى الأصل مصدر ولذلك يوحد ويذكر غالبا، وعليه قوله - تعالى -وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } ويجوز أن يثنى ويؤنث، ولما كان كل خصم فريقا يجمع طوائف قال { ٱخْتَصَمُواْ } بصيغة الجمع كقوله - تعالى -وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } فالجمع مراعاة للمعنى. وقوله - سبحانه - { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ... } تفصيل وبيان لحال كل خصم وفريق. أى فالذين كفروا جزاؤهم أنهم قطع الله - تعالى - لهم من النار ثيابا، وألبسهم إياها. قال الآلوسى أى أعد الله لهم ذلك، وكأنه شبه إعداد النار الحيطة بهم بتقطيع ثياب وتفصيلها لهم على قدر جثثهم. ففى الكلام استعارة تمثيلية تهكمية، وليس هناك تقطيع ثياب ولا ثياب حقيقة. وكأن جميع الثياب للإِيذان بتراكم النار المحيطة بهم، وكون بعضها فوق بعض.. وعبر بالماضى، لأن الإِعداد قد وقع، فليس من التعبير بالماضى لتحققه... وقوله { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } زيادة فى عذابهم، أى لم تقطع لهم ثياب من نار فحسب، وإنما زيادة على ذلك يصب من فوق رءوسهم " الحميم " أى الماء البالغ أقصى درجات الشدة فى الحرارة. وقوله { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } بيان للآثار التى تترتب على هذا العذاب. والفعل " يصهر " مأخوذ من الصهر بمعنى الإِذابة. يقال صهر فلان الشحم يصهره إذا أذابه. أى فذلك الحميم الذى يصب من فوق رءوسهم من آثاره أنه يذاب به ما بطونهم من الشحوم والأحشاء. كما تذاب به جلودهم - أيضا - فقوله { وَٱلْجُلُودُ } عطف على { مَا } الموصولة فى قوله { مَا فِي بُطُونِهِمْ } أى يذاب به الذى فى بطونهم وتذاب به أيضا جلودهم.

السابقالتالي
2 3