الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }

وللعلماء فى تفسير الآية الأولى أقوال أولها أن الضمير فى قوله { يَظُنُّ } يعود إلى أعداء النبى - صلى الله عليه وسلم - وفى قوله { يَنصُرَهُ } يعود إليه - صلى الله عليه وسلم -. والمعنى { مَن كَانَ يَظُنُّ } من الكافرين الكارهين للحق الذى جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - { أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ }. أى أن لن ينصر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ } هذا الكافر { بِسَبَبٍ } أى بحبل إلى السماء، أى سقف بيته، لأن العرب تسمى كل ما علاك فهو سماء. { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } ثم ليختنق هذا الكافر بهذا الحبل، بأن يشده حول عنقه ويتدلى من الحبل المعلق بالسقف حتى يموت. { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } أى فليتفكر هذا الكافر فى أمره، هل يزيل فعله هذا ما امتلأت به نفسه من غيط لنصر الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -؟ كلا، فإن ما يفعله بنفسه من الاختناق والغيظ، لن يغير شيئاً من نصر الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، فليمت هذا الكافر بغيظه وكيده. فالمقصود بالآية الكريمة، بيان أن ما قدره الله - تعالى - من نصر لنبيه - صلى الله عليه وسلم - لن يحول بين تنفيذه حائل، مهما فعل الكافرون، وكره الكارهون، فليموتوا بغيظهم، فإن الله - تعالى - ناصر نبيه لا محالة. وصح عود الضمير فى قوله { أَن لَّن يَنصُرَهُ } إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - مع أنه لم يسبق له ذكر، لأن الكلام دال عليه فى الآيات السابقة، إذ المراد بالإِيمان فى قوله - تعالى - فى الآية السابقةإِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ... } الإِيمان بصدق النبى - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به عند ربه - تعالى -. وعبر - سبحانه - عن اختناق هذا الحاقد بالحبل بقوله { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } لأن قطع الشىء يؤدى إلى انتهائه وهلاكه، والمفعول محذوف. والتقدير ثم ليقطع نفسه أو حياته. وقد صدر صاحب الكشاف تفسيره للآية بهذا القول فقال هذا كلام قد دخله اختصار. والمعنى إن الله ناصر رسوله فى الدنيا والآخرة، فمن كان يظن من حاسديه وأعاديه أن الله يفعل خلاف ذلك.. فليستقص وسعه، وليستفرغ مجهوده فى إزالة ما يغيظه. بأن يفعل ما يفعله من بلغ به الغيظ كل مبلغ، حتى مد حبلاً إلى سماء بيته فاختنق، فلينظر - هذا الحاسد - وليصور فى نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذى يغيظه؟ وسمى - سبحانه - فعل هذا الكافر كيداً، لأنه وضعه موضع الكيد، حيث لم يقدر على غيره، أو سماه كذلك على سبيل الاستهزاء، لأنه لم يكد به محسوده، إنما كاد نفسه.

السابقالتالي
2