الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }

قال ابن كثير - رحمه الله - " لما ذكر - تعالى - حال الضلال الجهال المقلدين لغيرهم فى الآية الثالثة من هذه السورة وهى قوله - سبحانه -وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } ذكر فى هذه حال الدعاة إلى الضلال من رءوس الكفر والبدع، فقال { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } أى بلا عقل صحيح. ولا نقل صحيح صريح بل بمجرد الرأى والهوى ". ولعل مما يؤيد ما ذهب إليه ابن كثير من أن الآية الثالثة من هذه السورة فى شأن المقلدين لغيرهم، أنه - سبحانه - قال فيها فى شأنهموَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } أما فى هذه الآية فقد قال فى شأن هذا النوع من الناس { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ... } أى ليضل غيره ويصرفه عن طاعة الله - تعالى - واتباع طريقه الحق. وقد نفت الآية الكريمة عن هذا المجادل، استناده إلى أى دليل أو ما يشبه الدليل، فهو يجادل فى ذات الله - تعالى - وفى صفاته " بغير علم " يستند إليه وبغير " هدى " يهديه ويرشده إلى الحق وبغير " كتاب منير " أى وبغير وحى ينير عقله وقلبه، ويوضح له سبيل الرشاد. فأنت ترى أن الآية قد جردت هذا المجادل من أى مستند إليه فى جداله سواء كان عقلياً أم نقلياً، بل أثبتت له الجهالة من جميع الجهات. ثم صورته السورة الكريمة بعد ذلك بتلك الصورة المزرية، صورة الجاهل المغرور المتعجرف، فقال - تعالى - { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ }. وقوله { ثَانِيَ } من الثَّنْى بمعنى اللَّىِّ والميل عن الاستقامة. يقال فلان ثنى الشىء إذا رد بعضه على بعض فانثنى أى مال والتوى. والعِطْف - بكسر العين - الجانب، وهذا التعبير كناية عن غرروه وصلفه مع جهله. أى أنه مع جداله بدون علم، متكبر معجب بنفسه، معرض عن الحق، مجتهد فى إضلال غيره عن سبيل الله - تعالى - وعن الطريق الذى يوصل إلى الرشاد. ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة هذا الجاهل المغرور المضل لغيره فقال و { لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } أى هوان وذله وصغار. { وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أى ونجعله يوم القيامة يدرك طعم العذاب المحرق. ويصطلى به جزاء غروره وشموخه فى الدنيا بغير حق. وتقول له ملائكتنا وهى تصب عليه ألوان العذاب { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ } أى ذلك الذى تتذوقه من عذاب محرق سببه جهلك وغرورك وإصرارك على الكفر، وحرصك على إضلالك لغيرك. وأسند - سبحانه - سبب ما نزل بهذا الكافر من خزى وعذاب إلى يديه، لأنهما الجارحتان اللتان يزاول بهما أكثر الأعمال.

السابقالتالي
2 3 4