الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } * { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } * { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } * { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } * { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ }

والضمير فى قوله - تعالى - { وَتَقَطَّعُوۤاْ.. } يعود للناس الذى تفرقوا فى شأن الدين شيعا وأحزابا. أى وافترق الناس فى شأن الدين الحق فرقا متعددة، وسنحاسبهم جميعا على أعمالهم حسابا دقيقا، يجازى فيه المحسن خيرا، ويعاقب فيه المسىء على إساءته. وقال - سبحانه - { فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } بالنفى المفيد للعموم، لبيان كمال عدالته - تعالى - وتنزيهه - عز وجل - عن ظلم أحد، أو أخذ شىء مما يستحقه. وعبر عن العمل بالسعى، لإِظهار الاعتداد به، وأن صاحب هذا العمل الصالح، قد بذل فيه جهدا مشكورا، وسعى من أجل الحصول عليه سعيا بذل فيه طاقته. ثم أكد - سبحانه - بعد ذلك ما سبق أن قرره من أن الكل سيرجعون إليه للحساب، فقال { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }. وللمفسرين فى تفسير هذه الآية الكريمة أقوال منها أن المعنى وحرام - أى وممتنع امتناعا تاما - على قرية أهلكنا أهلها بسبب فسوقهم عن أمرنا، وتكذيبهم لرسلنا أنهم لا يرجعون إلينا فى الآخرة للحساب. فالآية الكريمة تأكيد لما قررته الآيات السابقة، من أن الذين تقطعوا أمرهم بينهم، والذين آمنوا وعملوا صالحا فى دنياهم، الكل سيرجعون إلى الله - تعالى - ليجازيهم بما يستحقون يوم القيامة. وقد أكدت الآية الكريمة ورجوعهم إليه - تعالى - يوم القيامة بأسلوب بديع، حيث نفت عن الأذهان ما قد يتبادر من أن هلاك الكافرين بالعذاب فى الدنيا، قد ينجيهم من الحساب والعقاب يوم القيامة، وأثبتت أن الرجوع يوم القيامة للحساب مؤكد. قال صاحب فتح القدير { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ.. } قرأ أهل المدينة " حرام " ، وقرأ أهل الكوفة " وحرم " - بكسر الحاء وإسكان الراء - وهما لغتان مثل حلال وحل. ومعنى { أَهْلَكْنَاهَآ } قدرنا إهلاكها. وجملة { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } فى محل رفع مبتدأ، وقوله " حرام " خبرها.. والمعنى وممتنع ألبتة عدم رجوعها إلينا للجزاء... وقال بعض العلماء " وجعل أبو مسلم هذه الآية من تتمة ما قبلها و " لا " فيها على بابها. وهى مع لفظ " حرام " من قبيل نفى النفى. فيدل على الإِثبات، والمعنى وحرام على القرية المهلكة. عدم رجوعها إلى الآخرة، بل واجب رجوعها للجزاء، فيكون الغرض إبطال قول من ينكر البعث. وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعى أحد وأنه - سبحانه - سيحييه وبعمله يجزيه. ومنهم من يرى أن " لا " زائدة، وأن المراد بالرجوع رجوع الهالكين إلى الدنيا فيكون المعنى وحرام على أهل قرية أهلكناهم بسبب كفرهم ومعاصيهم، أن يرجعوا إلى الدنيا مرة أخرى بعد هلاكهم.

السابقالتالي
2 3 4