الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ }

والمراد بذى النون يونس بن متى - عليه السلام -، والنون الحوت. وجمعه نينان وأنوان. وسمى بذلك لابتلاع الحوت له. قال - تعالى -وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ.. } وملخص قصة يونس " أن الله - تعالى - ارسله إلى أهل نينوى بالعراق فى حوالى القرن الثامن قبل الميلاد، فدعاهم إلى إخلاص العبادة لله - عز وجل - فاستعصوا عليه، فضاق بهم ذرعا، وتركهم وهو غضبان ليذهب إلى غيرهم، فوصل إلى شاطىء البحر، فوجد سفينة فركب فيها، وفى خلال سيرها فى البحر ضاقت بركابها، فقال ربانها إنه لا بد من أحد الركاب يلقى بنفسه فى البحر لينجو الجميع من الغرق. فجاءت القرعة على يونس، فألقى بنفسه فى اليم فالتقمه الحوت.. ثم نبذه إلى الساحل بعد وقت يعلمه الله - تعالى -، فأرسله - سبحانه - إلى قومه مرة أخرى فآمنوا. وسيأتى تفصيل هذه القصة فى سورة الصافات - بإذن الله -. والمعنى واذكر أيها المخاطب لتعتبر وتتعظ - عبدنا ذان النون. وقت أن فارق قومه وهو غضبان عليهم، لأنهم لم يسارعوا إلى الاستجابة له. قال الجمل وقوله { إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } أى غضبان على قومه، فالمفاعة ليست على بابها فلا مشاركة كعاقبت وسافرت، ويحتمل أن تكون على بابها من المشاركة، أى غاضب قومه وغاضبوه حين لم يؤمنوا فى أول الأمر ". وقوله - تعالى - { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } بيان لما ظنه يونس - عليه السلام - حين فارق قومه غاضبا عليهم بدون إذن من ربه - عز وجل -. أى أن يونس قد خرج غضبان على قومه لعدم استجابتهم لدعوته فظن أن لن نضيق عليه، عقابا له على مفارقته لهم من غير أمرنا، أو فظن أننا لن نقضى عليه بعقوبة معينة فى مقابل تركه لقومه بدون إذننا. فقوله { نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } بمعنى نضيق عليه ونعاقبه. يقال قدر الله الرزق يقدره - بكسر الدال وضمها - إذا ضيقه. ومنه قوله - تعالى -ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } وقولهوَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ.. } أى ضيقه عليه. ثم بين - سبحانه - ما كان يردده يونس وهو فى بطن الحوت فقال { فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ. والفاء فى قوله { فَنَادَىٰ } فصيحة. والمراد بالظلمات ظلمات البحر، وبطن الحوت، والليل. أى خرج يونس غضبان على قومه. فحدث له ما حدث من التقام الحوت له، فلما صار فى جوفه المظلم، بداخل البحر المظلم، أخذ يتضرع إلينا بقوله أشهد أن لا إله إلا أنت يا إلهى مستحق للعبادة، { سُبْحَانَكَ } أى أنزهك تنزيها عظيما { إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } لنفسى حين فارقت قومى بدون إذن منك.

السابقالتالي
2