الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } * { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ }

أى وما أرسلنا قبلك - أيها الرسول الكريم - إلى الأمم السابقة إلا رسلا من البشر، ليعيشوا حياة البشر، ويتمكنوا من التعامل والتخاطب والتفاهم مع من هم من جنسهم، ولو كان الرسل من غير البشر لما كانت هناك وشيجة ورابطة بينهم وبين أقوامهم. وهذه الجملة رد مفحم على المشركين الجاهلين الذين استبعدوا أن يكون الرسول بشرا وقالوا قبل ذلكهَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } وقوله - تعالى - { نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } استئناف مبين لكيفية الإِرسال. أى اقتضت حكمتنا أن يكون الرسل من الرجال، وأن نبلغهم ما نكلفهم به عن طريق الوحى المنزل إليهم من جهتنا. وقوله - سبحانه - { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } توبيخ لهم وتجهيل، لأنهم قالوا ما قالوا بدون تعقل أو تدبر. والمراد بأهل الذكر علماء أهل الكتاب الذين كان المشركون يرجعون إليهم فى أمور دينهم. والفاء فى قوله { فَاسْئَلُوۤاْ.. } لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه. أى ما دامت قد بلغت بكم الجهالة أن تستبعدوا أن يكون الرسول بشرا فاسألوا أهل العلم فى ذلك، فسيبينون لكم أن الرسل السابقين لم يكونوا إلا رجالا. قال القرطبى قوله - تعالى - { فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } يريد أهل التوراة والإِنجيل الذين آمنوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وسماهم أهل الذكر، لأنهم كانوا يذكرون خبر الأنبياء، مما لم تعرفه العرب، وكان كفار قريش يراجعون أهل الكتاب فى أمر النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن زيد أراد بالذكر القرآن. أى فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن.. ثم أكد - سبحانه - هذه الحقيقة وهى كون الرسل من البشر فقال { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ }. والضمير فى { جَعَلْنَاهُمْ } يعود إلى الرسل، والجسد مصدر جَسِد الدم يَجْسَدُ - من باب فرح - إذا التصق بغيره، وأطلق على الجسم جسد، لالتصاق أجزاءه بعضها ببعض، ويطلق هذا اللفظ على الواحد المذكر وغيره ولذلك أفرد. أو هو أفرد لإرادة الجنس. أى وما جعلنا الرسل السابقين عليك يا محمد أجسادا لا تأكل ولا تشرب كالملائكة، وإنما جعلناهم مثلك يأكلون و يشربون ويتزوجون ويتناسلون ويعتريهم ما يعترى البشر من سرور و حزن، ويقظة و نوم.. وغير ذلك مما يحسه البشر. وما جعلناهم - أيضا - خالدين فى هذه الحياة بدون موت، وإنما جعلنا لأعمارهم أجلا محددا تنتهى حياتهم عنده بدون تأخير أو تقديم. قال - تعالى -إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } وقوله - سبحانه - { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ.

السابقالتالي
2