الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } * { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } * { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ }

أى قال إبراهيم لقومه بعد أن ضاق بهم ذرعا أتتركون عبادة الله الذى خلقكم، وتعبدون غيره أصناما لا تنفعكم بشىء من النفع، ولا تضركم بشىء من الضر، ثم يضيف إلى هذا التبكيت لهم، الضجر منهم، فيقول { أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }. و " أف " اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر. وأصله صوت المتضجر من استقذار الشىء. واللام فى قوله { لَّكُمْ } لبيان المتضجر لأجله. أى سحقا وقبحا لكم، ولما تعبدونه من أصنام متجاوزين بها عبادة الله - تعالى - عن جهل وسخف وطغيان. { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } ما أنتم فيه من ضلال واضح، فترجعون عنه إلى عبادة الواحد القهار. وعندما وصل إبراهيم فى توبيخهم وتبكيتهم إلى هذا الحد أخذتهم العزة بالإِثم، شأنهم فى ذلك شأن كل طاغية جهول، يلجأ إلى القوة الغاشمة بعد أن تبطل حجته، فقالوا فيما بينهم { حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }. أى قال بعضهم لبعض بعد أن عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة، وبعد أن رأوا إبراهيم قد أفحمهم بمنطقة الحكيم { حَرِّقُوهُ } أى بالنار، فإنها أشد العقوبات. قيل إن الذى اقترح عليهم ذلك هو رئيسهم نمروذ بن كنعان. وقيل هو رجل من الفرس اسمه هينون. وقوله { وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ.. } بيان لسبب تحريقه بالنار. أى حرقوه بالنار من أجل الانتصار لآلهتكم التى حطمها فى غيبتكم { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }. أى إن كنتم بحق تريدون أن تنصروا آلهتكم نصرا يرضيها، فاحرقوه بالنار. قال صاحب الكشاف أجمعوا رأيهم - لما غلبوا - بإهلاكه، وهكذا المبطل إذا قرعت شبهته بالحجة وافتضح. لم يكن أحد أبغض إليه من المحق ولم يبق له مفزع إلا مناصبته العداء، كما فعلت قريش برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين عجزوا عن المعارضة. والذى أشار بإحراقه نمروذ، وعن ابن عمر رجل من أعراب العجم. واختاروا المعاقبة بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه، ولذلك جاء " لا يعذب بالنار إلا خالقها ". وقوله تعالى { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ.. } مسبوق بكلام محذوف يفهم من سياق القصة. والتقدير وأحضر قوم إبراهيم الحطب، وأضرموا نيرانا عظيمة، وألقوا بإبراهيم فيها، فلما فعلوا ذلك، قلنا يا نار كونى - بقدرتنا وأمرنا - ذات برد، وذات سلام على إبراهيم، فكانت كما أمرها الله - تعالى -، وصدق - سبحانه - إذ يقولبَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } وتحولت النار إلى برد وسلام على إبراهيم، وأراد الكافرون به كيدا، أى إحراقا بالنار " فجعلناهم " بإرادتنا وقدرتنا " الأخسرين " حيث لم يصلوا إلى ما يريدون، ولم يحققوا النصر لآلهتهم، بل رد الله - تعالى - كيدهم فى نحورهم.

السابقالتالي
2 3