الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } * { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ } * { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ }

وقوله - تعالى - { يَكْلَؤُكُم } أى يرعاكم ويحفظكم. يقال فلان كَلأَ فلانا كَلأً وكِلاءَة - بالكسر - إذا حرسه، واكتلأ فلان من غيره، إذا احترس منه. والاستفهام للإِنكار والتقريع. أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المستهزئين بك وبما جئت به من عند ربك قل لهم من الذى يحرسكم ويحفظكم " بالليل " وأنتم نائمون " والنهار " وأنتم متيقظون " من الرحمن " أى من عذاب الرحمن وبأسه إذا أراد أن يهلككم بسبب عكوفكم على كفركم وشرككم. وتقديم الليل على النهار، لما أن الدواهى فيه أكثر، والأخذ فيه أشد، واختار - سبحانه - لفظ الرحمن، للإشعار بأنهم يعيشون فى خيره ورحمته. ومع ذلك لا يشكرونه - تعالى - على نعمه. ولذا - أخبر - سبحانه - عنهم بقوله { بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } أى بل هم بعد كل هذا الإِنكار عليهم، والتنبيه لهم عن ذكر ربهم وكتابه الذى أنزله لهدايتهم، معرضون شاردون، لا يحاولون الانتفاع بتوجيهاته، ولا يستمعون إلى إرشاداته. فالجملة الكريمة تنفى عنهم الانتفاع بما يوجهه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم من هدايات وعظات. ثم وجه - سبحانه - إليهم سؤالا آخر فقال { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا... }؟. و { أَمْ } هنا هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة، فهى مشتملة على معنى الإِضراب والإِنكار. والمعنى وسلهم - أيها الرسول الكريم - مرة أخرى ألهؤلاء الجاحدين آلهة أخرى تستطيع أن تحرسهم وترعاهم سوانا نحن؟ كلا لبس لهم ذلك. فالجملة الكريمة إضراب عن وصفهم بالإِعراض إلى توبيخهم على جهالاتهم بسبب اعتمادهم على آلهة لا تنفع ولا تضر. وقوله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } نفى على أبلغ وجه لأن تكون هناك آلهة ترعاهم سوى الله - تعالى - أى كلا.. ليس لهم آلهة تمنعهم من عذابنا إن أردنا إنزاله بهم، فإن هؤلاء الآلهة لا يستطيعون نصر أنفسهم فضلا عن نصر غيرهم، ولا هم منا يصحبون، أى يجارون ويمنعون من نزول الضر بهم. قال ابن جرير " وقوله { يُصْحَبُونَ } بمعنى يجارون، تقول العرب أنا لك جار وصاحب من فلان. بمعنى أجيرك وأمنعك منه. وهؤلاء إذا لم يصبحوا بالجوار، ولم يكن لهم مانع من عذاب الله، مع سخط الله عليهم، فلم يصحبوا بخير ولن ينصروا. ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعمة أخرى من نعم الله عليهم لم يحسنوا شكرها، فقال - تعالى - { بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ.. }. أى لا تلتفت - أيها الرسول الكريم - إلى هؤلاء المشركين الذين أعرضوا عن ذكر ربهم، والذين زعموا أن آلهتهم تضر أو تنفع، فإننا قد كلأناهم برعايتنا بالليل والنهار، ومتعناهم وآباءهم من قبلهم بالكثير من متع الحياة الدنيا، حتى طالت أعمارهم فى رخاء ونعمة، فحملهم ذلك على الطغيان والبطر والإِصرار على الكفر.

السابقالتالي
2 3 4