الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } * { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

قال القرطبى قوله - تعالى - { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } أى دوام البقاء فى الدنيا. نزلت حين قالوا نتربص بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ريب المنون. وذلك أن المشركين كانوا يدفعون نبوته ويقولون شاعر نتربص به ريب المنون، ولعله يموت كما مات شاعر بنى فلان، فقال الله - تعالى - قد مات الأنبياء قبلك يا محمد، وتولى الله دينه بالنصر والحياطة، فهكذا نحفظ دينك وشرعك... والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } للانكار والنفى.. والمعنى وما جعلنا - أيها الرسول الكريم - لبشر من قبلك - كائنا من كان - الخلود فى هذه الحياة، وأنت إن مت فهم - أيضا - سيموتون فى الوقت الذى حدده الله - تعالى - لانقضاء عمرك وأعمارهم، وما دام الأمر كذلك فذرهم فى جهالتهم يعمهون، ولا تلتفت إلى شماتتهم فيك، أو إلى تربصهم بك، فإنك ميت وإنهم ميتون، وكل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، ورحم الله الإِمام الشافعى حيث يقول
تمنى أناس أن أموت.- وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد فقل للذى يبغى خلاف الذى مضى تهيأ لأخرى مثلها، وكأن قد   
وقال شاعر آخر
إذا ما الدهر جر على أناس كلاكِلُه أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا   
ثم أكد - سبحانه - عدم خلود بشر فى هذه الحياة فقال { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ }. أى كل نفس أوجدها الله - تعالى - فى هذه الحياة، ستذوق مرارة نزول الموت بها. ومفارقة روحها لجسدها. قال الآلوسى ما ملخصه والموت عند الأشعرى، كيفية وجودية تضاد الحياة، وعند كثيرين غيره أنه عدم الحياة عما من شأنه الحياة بالفعل. وقال بعضهم المراد بالنفس هنا النفس الإنسانية لأن الكلام مسوق لنفى خلود البشر. واختير عمومها لتشمل نفوس البشر والجن وسائر نفوس الحيوان. وقوله - تعالى - { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } بيان لسنة من سننه - تعالى - فى معاملة عباده. وقوله - سبحانه - { وَنَبْلُوكُم } من البَلْوِ بمعنى الاختبار والامتحان. يقال فلان بلاه الله بخير أو شر يبلوه بَلْواً، وأبلاه وابتلاه ابتلاء، بمعنى امتحنه. وقوله { فِتْنَةً } مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه. أى كل نفس ذائقة الموت، ونختبركم فى هذه الحياة بألوان من النعم وبألوان من المحن، لنرى أتشكرون عند النعمة، وتصبرون عند المحنة، أم يكون حالكم ليس كذلك؟ وفى جميع الأحوال فإن مرجعكم إلينا لا محالة، وسنجازيكم بما تستحقون من ثواب على شكركم وصبركم، وسنجازى غير الشاكرين وغير الصابرين بما يستحقون من عقاب، ولا يظلم ربك أحدا. قال بعض العلماء " والابتلاء بالشر مفهوم أمره ليتكشف مدى احتمال المبتلى، ومدى صبره على الضر، ومدى ثقته فى ربه، ورجائه فى رحمته.

السابقالتالي
2 3 4 5