الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

وقوله { رَتْقاً } مصدر رتقه رتقا إذا سده. يقال رتق فلان الفتق رتقا، إذا ضمه وسده، وهو ضد الفتق الذى هو بمعنى الشق والفصل. وللعلماء فى معنى هذه الآية أقوال أشهرها أن معنى { كَانَتَا رَتْقاً } أن السماء كانت صماء لا ينزل منها مطر، وأن الأرض كانت لا يخرج منها نبات، ففتق الله - تعالى - السماء بأن جعل المطر ينزل منها، وفتق الأرض بأن جعل النبات يخرج منها. وهذا التفسير منسوب إلى ابن عباس، فقد سئل عن ذلك فقال كانت السماوات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلما خلق - سبحانه - للأرض أهلا، فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات. ومنهم من يرى أن المعنى كانت السماوات والأرض متلاصقتين كالشىء الواحد، ففتقهما الله - تعالى - بأن فصل بينهما، فرفع السماء إلى مكانها، وأبقى الأرض فى مقرها، وفصل بينهما بالهواء. قال قتادة قوله { كَانَتَا رَتْقاً } يعنى أنهما كانا شيئا واحداً ففصل الله بينهما بالهواء. ومنهم من يرى أن معنى " كانتا رتقا " أن السماوات السبع كانت متلاصقة بعضها ببعض ففتقها الله - تعالى - بأن جعلها سبع سماوات منفصلة، والأرضون كانت كذلك رتقا، ففصل الله - تعالى - بينها وجعلها سبعا. قال مجاهد كانت السماوات طبقة واحدة مؤتلفة، ففتقها فجعلها سبع سماوات، وكذلك الأرضين كانت طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبعا ". وقد رجح بعض العلماء المعنى الأول فقال ما ملخصه كونهما " كانتا رتقا " بمعنى أن السماء لا ينزل منها مطر، والأرض لا تنبت، ففتق - سبحانه - السماء بالمطر والأرض بالنبات، هو الراجح وتدل عليه قرائن من كتاب الله - تعالى - منها أن قوله - تعالى - { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ.. } يدل على أنهم رأوا ذلك لأن الأظهر فى رأى أنها بصرية، والذى يرونه بأبصارهم هو أن السماء تكون لا ينزل منها مطر، والأرض لا نبات فيها. فيشاهدون بأبصارهم نزول المطر من السماء، وخروج النبات من الأرض. ومنها أنه - سبحانه - أتبع ذلك بقوله { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } والظاهر اتصال هذا الكلام بما قبله. أى وجعلنا من الماء الذى أنزلناه بفتقنا السماء، وأنبتنا به أنواع النبات بفتقنا الأرض، كل شىء حى. ومنها أن هذا المعنى جاء موضحا فى آيات أخرى، كقوله - تعالى -وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } والمراد بالرجع نزول المطر من السماء تارة بعد أخرى، والمراد بالصدع انشقاق الأرض عن النبات. واختار هذا القول ابن جرير وابن عطية والفخر الرازى. فإن قيل هذا الوجه مرجوح، لأن المطر لا ينزل من السماوات، بل من سماء واحدة وهى سماء الدنيا؟ قلنا إنما أطلق عليه لفظ الجمع، لأن كل قطعة فيها سماء كما يقال ثوب أخلاق - أى قطع -.

السابقالتالي
2 3