الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } * { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } * { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ }

وقوله - سبحانه - { ٱقْتَرَبَ } من القرب الذى هو ضد البعد. والمعنى قرب الزمن الذى يحاسب فيه الناس على أعمالهم فى الدنيا، والحال أن الكافرين منهم فى غفلة تامة عن هذا الحساب، وفى إعراض مستمر عن الاستعداد له بالإيمان والعمل الصالح. قال الإمام ابن كثير هذا تنبيه من الله - عز وجل - على اقتراب الساعة ودنوها، وأن الناس فى غفلة عنها، أى لا يعملون لها، ولا يستعدون من أجلها. قال - تعالى -أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ... } وقالٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } وعبر سبحانه - بالقرب مع أنه قد مضى على نزول هذه الآية وأمثالها أكثر من أربعة عشر قرنا، لأن كل آت وإن طالت أوقات استقباله وترقبه، قريب الوقوع، ولأن ذلك الوقت وإن كان كبيرا فى عرف الناس، إلا أنه عند الله - تعالى - قليل، كما قال - سبحانه -وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } وقال - تعالى -إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً } وقال - تعالى - { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ.. } بلفظ العموم، مع أن ما بعده من ألفاظ الغفلة والإِعراض يشعر بأن المراد بهم الكافرون، للتنبيه على أن الحساب سيشمل الجميع، إلا أنه بالنسبة للكافرين سيكون حسابا عسيرا. قال صاحب الكشاف وصفهم بالغفلة مع الإعراض، على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون فى عاقبتهم، ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم، مع اقتضاء عقولهم أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسىء. وإذا قرعت لهم العصا، ونبهوا عن سنة الغفلة، وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر، أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا. وفى التعبير عن اقتراب يوم القيامة باقتراب الحساب، زيادة فى الترهيب والتخويف، وفىالحض على الاستعداد لهذااليوم، لأنه يوم يحاسب فيه الناس على أعمالهم فى الدنيا حسابا دقيقا، ولن تملك فيه نفس لنفس شيئا، وإنما يجازى فيه كل إنسان بحسب عمله. وقوله - سبحانه - { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } بيان لمواقف هؤلاء الغافلين اللاهين ممن يذكرهم بأهوال ذلك اليوم. والمراد بالذكر ما ينزل من آيات القرآن على النبى - صلى الله عليه وسلم -. والمراد بالمحدث الحديث العهد بالنزول على النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو صفة لذكر. أى أن هؤلاء الغافلين المعرضين عن الاستعداد ليوم الحساب، لا يصل إلى أسماعهم شىء من القرآن الكريم، الذى أنزله الله - تعالى - على قلب نبيه - صلى الله عليه وسلم - آية فآية، أو سورة بعد سورة فى أوقات متقاربة، إلا استمعوا إلى هذا القرآن المحدث تنزيله على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهم يلعبون، دون أن يحرك منهم عاطفة نحو الإِيمان به، فهم لانطماس بصيرتهم، وقسوة قلوبهم، وجحود نفوسهم للحق، لا يتعظون ولا يعتبرون.

السابقالتالي
2 3 4