الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } * { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } * { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ }

قال الآلوسى ما ملخصه " قوله - تعالى - { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } ، حكاية لجناية فريق من المشركين لإظهار بطلانها، وبيان تنزهه - سبحانه - عن ذلك، إثر بيان تنزهه - جل وعلا - عن الشركاء على الإِطلاق، وهم حى من خزاعة قالوا الملائكة بنات الله، ونقل الواحدى أن قريشا وبعض العرب قالوا ذلك. والآية مشنعة على كل من نسب إلى الله - تعالى - ذلك كاليهود والنصارى.. ". أى وقال المشركون الذين انطمست بصائرهم عن معرفة الحق " اتخذ الرحمن ولداً سبحانه ". أى تنزه وتقدس الله - تعالى - عن ذلك جل وعلا عما يقولونه علوا كبيرا. وقوله { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } إضراب عما قالوه، وإبطال له، وثناء على ملائكته الذين زعم فريق من المشركين أنهم بنات الله. وعباد جمع عبد. والعبودية لله - تعالى - معناها إظهار التذلل له - سبحانه -، والخضوع لذاته. ومكرم اسم مفعول من أكرم، وإكرام الله - تعالى - لعبده معناه إحسانه إليه وإنعامه عليه. أى لقد كذب هؤلاء المشركون فى زعمهم أن الملائكة بنات الله، والحق أن الملائكة هم عباد مخلوقون له - تعالى - ومقربون إليه ومكرمون عنده. وقوله { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ } أى لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به، ولا يقولون شيئا بدون إذنه، كما هو شأن العبيد الطائعين لسيدهم. وأصل الكلام لا يسبق قولهم قوله - عز وجل - إلا أنه - سبحانه - أسند السبق إليهم، تنزيلا لسبق قولهم لقوله، منزلة سبقهم إياه، للإِشعار بمزيد طاعتهم وتنزيههم عن كل قول بغير إذنه - تعالى -. وقوله { وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } بيان لتبعيتهم له - تعالى - فى الأعمال إثر بيان تبعيتهم له - سبحانه - فى الأقوال. أى وهم بأمره وحده يعملون لا بأمر أحد سواه، ولا بأمر أنفسهم، كما قال - تعالى - فى آية أخرىيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ثم بين - سبحانه - مظهرا من مظاهر علمه الشامل، وحكمه النافذ، فقال { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ.. } أى يعلم - سبحانه - أحوالهم كلها صغيرها وكبيرها، متقدمها ومتأخرها، { وَلاَ يَشْفَعُونَ } لأحد من خلقه إلا لمن ارتضى الله - تعالى - شفاعتهم له. { وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } أى وهم لخوفهم من الله ومن عقابه حذرون وجلون. فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف الملائكة فى هذه الآيات بجملة من الصفات الكريمة التى تدل على طاعتهم المطلقة لله - تعالى - وعلى إكرامه - سبحانه - لهم.

السابقالتالي
2