الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } * { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } * { أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ }

قال الإِمام الرازى اعلم أن الكلام من أول السورة إلى هنا كان فى النبوات وما يتصل بها من الكلام سؤالا وجوابا، وأما هذه الآيات فإنها فى بيان التوحيد ونفى الأضداد والأنداد.. ". والاستفهام فى قوله { أَمِ ٱتَّخَذُوۤا }.. للإِنكار والتوبيخ. وقوله { يُنشِرُونَ } من النشر بمعنى الإِحياء والبعث. يقال أنشر الله - تعالى - الموتى إذا بعثهم بعد موتهم. والمعنى إن هؤلاء الضالين قد أشركوا مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة، فهل هذه الآلهة التى اتخذوها تستطيع أن تعيد الحياة إلى الأموات؟ كلا إنها لا تستطيع ذلك بإقرارهم ومشاهدتهم، وما دام الأمر كذلك فكيف أباحوا لأنفسهم أن يتخذوا آلهة لا تستيطع أن تفعل شيئا من ذلك أو من غيره؟ إن اتخاذهم هذا لمن أكبر الأدلة وأوضحها على جهالاتهم وسفاهاتهم وسوء تفكيرهم. قال صاحب الكشاف ما ملخصه فإن قلت كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر. وما كانوا يدّعون ذلك لآلهتهم، لأنهم كانوا ينكرون البعث أصلا ويقولون من يحيى العظام وهى رميم؟ قلت الأمر كما ذكرت ولكنهم بادعائهم لها الإِلهية، يلزمهم أن يدعوا لها الإِنشار، لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور، والإِنشار من جملة المقدورات. وفيه باب من التهكم بهم، والتوبيخ والتجهيل، وإشعار بأن ما استبعدوه من الله - تعالى - لا يصح استبعاده، لأن الإِلهية لما صحت صح معها الاقتدار على الإِبداء والإِعادة. وقوله - سبحانه - { مِّنَ ٱلأَرْضِ } متعلق باتخذوا، و " من " ابتدائية، أى اتخذوها من أجزاء الأرض كالحجارة وما يشبهها، ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة للآلهة، أى اتخذوا آلهة كائنة من الأرض.. وعلى كلا التقديرين فالمراد بهذا التعبير التحقير والتجهيل.. ثم ساق - سبحانه - دليلا عقليا مستمدا من واقع هذا الكون فقال { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }. أى لو كان فى السماوات والأرض آلهة أخرى سوى الله - تعالى -، تدبر أمرهما، لفسدتا ولخرجتا عن نظامهما البديع، الذى لا خلل فيه ولا اضطراب. وذلك لأن تعدد الآلهة يلزمه التنازع والتغالب بينهم.. فيختل النظام لهذا الكون، ويضطرب الأمر، ويعم الفساد فى هذا العالم. ولما كان المشاهد غير ذلك إذ كل شىء فى هذا الكون يسير بنظام محكم دقيق دل الأمر على أن لهذا الكون كله، إلها واحداً قادرا حكيما لا شريك له. قال صاحب الكشاف " والمعنى لو كان يتولاهما ويدبر أمرهما آلهة شتى غير الواحد الذى هو فاطرهما لفسدتا. وفيه دلالة على أمرين أحدهما وجوب أن لا يكون مدبرهما إلا واحداً. الثانى أن لا يكون ذلك الواحد إلا إياه وحده، لقوله { إِلاَّ ٱللَّهُ }.

السابقالتالي
2 3